طبيعة القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني

يمكن التمييز بين اتجاهين رئيسيين في طبيعة القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني.


أولاً- القانون الأجنبي مجرد واقعة:

ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن القانون الأجنبي يفقد طبيعته القانونية و يتحول إلى مجرد واقعة من الوقائع. غير أنهم اختلفوا بعد ذلك في الأساس القانوني لهذه النتيجة.


أ- فقدان عنصر الأمر:

و يتزعم هذا الاتجاه هنري باتيفول، إذ يقول بأن القانون الأجنبي يفقد مؤيد تطبيقه الخارجي أمام القضاء الوطني، فالقانون الوطني يتمتع بعنصر الأمر في بلده أمام القاضي الوطني، فالمشرع الأجنبي ليس له أي سلطان على القاضي الوطني يلزمه بتطبيق القانون الأجنبي.
إذاً القانون الأجنبي يفقد عنصر الأمر أو الإلزام خارج بلده، و يتم تطبيقه أمام القاضي الوطني بناءً على أوامر المشرع الوطني، و ليس على أساس أنه قانون أجنبي بل على أنه مجرد واقعة.
فالقانون يتكون من عاملين عقلي و إلزامي، و القانون الأجنبي فقد عامل الإلزام.


ب- احترام الحقوق المكتسبة:

و يتزعم هذا الاتجاه الفقه الأنكلو أمريكي، إذ يرى هذا الفقه أن القانون الأجنبي يطبق في بلد القاضي احتراماً للحقوق المكتسبة في الخارج، فالقاضي لا ينظر في حق مكتسب في الخارج إلا بالرجوع إلى القانون الأجنبي الذي نشأ هذا الحق تحت سلطانه.
فالقانون الأجنبي يظهر كمجرد عنصر في واقعة لا تتمتع بأية قوة قانونية بحد ذاتها، و لكن هذه الواقعة تستمد القوة القانونية من مبدأ احترام الحقوق المكتسبة في قانون القاضي.
و النتيجة إذاً رغم اختلاف الأساس القانوني أن القانون الأجنبي هو مجرد واقعة، و يترتب على ذلك كافة النتائج المترتبة على اعتبار القانون الأجنبي واقعة و ليس قاعدة قانونية، و تتمثل تلك النتائج بالتالي:
1- لا يفترض علم القاضي بها، أي بأحكام القانون الأجنبي.
2- القاضي غير مكلف في البحث عن أحكام القانون الأجنبي.
3- على الخصم أن يقدم الدليل على الأحكام القانونية الأجنبية و مضمونها.
4- لا تعقيب لمحكمة النقض على حكم القاضي في تطبيق القانون الأجنبي.


ثانياً- القانون الأجنبي يحتفظ بطبيعته القانونية:

و على عكس الجانب الأول ذهب جانب آخر من الفقه للقول بأن القانون الأجنبي يبقى محتفظاً بطبيعته القانونية أمام القاضي الوطني. غير أن هذا الجانب من الفقه اختلف في الأساس القانوني لتقرير الطبيعة القانونية للقانون الأجنبي.


أ- نظرية الإدماج أو الاستقبال:

و قال بها الفقه الإيطالي، و هي فكرة خصوصية النظام القانوني. و تعني الفكرة تلك أن الصفة القانونية مقتصرة على ما يدخل في هذا النظام و إنكار الصفة القانونية لكل ما هو خارج هذا النظام.
فالقانون الأجنبي لا يمكن الاعتراف له بالطبيعة القانونية إلا إذا أدمج في هذا النظام و هو القانون الوطني، فمتى أدمج القانون الأجنبي في القانون الوطني اكتسب الطبيعة القانونية، و بالتالي يكون نافذاً و ملزماً للقاضي الوطني، لأنه أصبح جزءاً من القانون الوطني، غير أن هذا الإدماج أو الاستقبال يفقد القانون الأجنبي صفته الأجنبية.
و للاندماج نوعان:
الأول: اندماج مادي:
و يعني أنه عندما تشير قاعدة الإسناد الوطنية بوجوب تطبيق القانون الأجنبي فإنها تمتص أحكام القانون الأجنبي لتندمج في القانون الوطني و نتيجة ذلك أن تتحول قاعدة الإسناد الوطنية إلى قاعدة موضوعية تتضمن أحكام مطابقة لأحكام القانون الأجنبي.
الثاني: اندماج شكلي:
و يعني أن القانون الأجنبي يبقى محتفظاً بمقوماته الأصلية، فلا يتأثر مضمون القانون الأجنبي أو الوطني، سوى احتواء القانون الوطني للقانون الأجنبي.
غير أن نظرية الإدماج لاقت النقد سواء من حيث الأساس أو من حيث النتائج، مما جعل بعض الفقه يتمسك بفكرة أخرى هي التفويض.


ب- نظرية التفويض:

و تعني أن القاضي الوطني يطبق القانون الأجنبي الذي تشير إليه قاعدة الإسناد الوطنية بناءً على أوامر المشرع الأجنبي الصادرة بموجب تفويض من المشرع الوطني، تعقد هذا التفويض قواعد الإسناد الوطنية فالنتيجة المترتبة على فكرة التفويض هي أن القانون الأجنبي يتمتع بالطبيعة القانونية.


جـ- الفقه المعاصر:

يرفض الفقه المعاصر فكرة التفويض و غيرها من النظريات لتبرير الطبيعة القانونية للقانون الأجنبي. و يرى هذا الفقه أن القانون الأجنبي يحتفظ بطبيعته القانونية بسبب أن قاعدة الإسناد الوطنية تأمر القاضي الوطني بتطبيق القانون الأجنبي و بالتالي فقاعدة الإسناد الوطنية هي التي تحفظ للقانون الأجنبي طبيعته القانونية و تزوده بقوة النفاذ في بلد القاضي.