يتمتع مبدأ عدم رجعية القوانين في المواد الجزائية بقوة لا يتمتع بمثلهافي المواد غير الجزائية .
وتؤثر بعض الدساتير العالمية في أن تجعل من مبدأ عدم رجعية القوانين الجزائية مبدأ دستورياً .
فقد نصت المادة /30/ من الدستور السوري النافذ على أنه : " لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها , ولا يكون لها أثر رجعي , ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك " .
يعني ذلك أن مبدأ عدم رجعية القوانين في النطاق المدني قاعدة قانونية تقيد القاضي ولا تقيد المشرع , إذ يمكن للمشروع الخروج عنها بنص صريح في صلب القانون الذي يريد أن يجعل لأحكامه مفعولاً رجعياً .
أما في النطاق الجزائي فإن مبدأ عدم رجعية القوانين هو مبدأ دستوري يقيد القاضي ويقيد المشرع .
فإذا تضمن تشريع جزائي نصاً يجعل لأحكامه مفعولاً رجعياً يقيد القاضي ويقيد المشرع .
فإذا تضمن تشريع جزائي نصاً يجعل لأحكامه مفعولاً رجعياً فإن مثل هذا النص يعتبر مخالفاً لأحكام الدستور .
وتعود أهمية مبدأ عدم الرجعية في نطاق القانون الجزائي إلى أن الجزاءات المقررة في هذا القانون تصيب الإنسان في جسمه وحرياتهوهي لهذا السبب جزاءات خطيرة لا يتصور توقيعها على أفعال كانت مباحة .
ولهذا السبب فإن مبدأ عدم رجعية القوانين الجزائية يعتبر من المبادئ المتصلة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وإذا كان الأصل في النصوص الجزائية عدم تطبيقها بأثر رجعي , لكن هذا الأصل ليس مطلقاً , فبعض هذه النصوص له أثر رجعي , وهي النصوص الأصلح للمدعى عليه .
وينطوي تعديل النصوص الجزائية تعديلاً يفيد المدعى عليه على اعتراف ضمني من المشرع بأن الأحكام التي كان يقضي بها التشريع السابق جائرة أو شديدة ولم تعد من مصلحة المجتمع الاستمرار في تطبيقها .
وينسجم أيضاً مع إرادة المشرع الهادفة إلى ؟إصلاح أو تعديل عيوب لاحظها في التشريع القديم والاستعاضة عنه بنصوص أخرى تكون أكثر وفاءً لحاجات المجتمع وأشد حماية لقيمه ومصالحه .
لكن التساؤل الذي يمكن أن يثار هنا يتمثل في معرفة متى تكون التشريعات الجزائية الموضوعية – أي التي تنص على الجرائم وأركانها وعقوباتها – أصلح للمدعى عليه ؟
لا شك أن القانون الجزائي الجديد الذي يلغي نص التجريم أو يعدل في شروط التجريم تعديلاً ينفع المدعى عليه أو يلغي أو يخفف العقوبة هو قانون أصلح للمدعى عليه .
وعليه نعرض هذه الحالات فيما يلي :
1- إذا ألغى القانون الجزائي الجديد نص التجريم : أي أن يجعل الفعل الذب ارتكبه المتهم فعلاً مباحاً بعد أن كان جرماً معاقباً عليه وفي هذه الحالة يسري القانون الجديد بلا أثر رجعي .
فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون العقوباتالسوري : " ما يقمع جرم بعقوبة أو تدبير احترازي أو إصلاحي إذا ألغاه قانون جديد . ولا يبقى للأحكام الجزائية التي قضى بها أي مفعول " .
ويلاحظ هنا وجوب تطبيق القانون الجديد حتى ولو صدر في الجرائم الملغاة حكم مبرم , لا يبقى لهذا أي مفعول .
أي توقف المحاكمة إذا لم تكن قد انتهت أو يوقف تنفيذ الحكم إذا كان قد صدر, فإن كان المحكوم عليه مسجوناً فيجب الإفراج عنه .
2- إذا صدر قانون جزائي جديد يلغي أو يخفف العقوبة التي كانت مقررة في القانون القديم .
وقد جاء في المادة الثامنة من قانون العقوبات السوري بأن : " كل قانون جديد يلغي عقوبة أو يقضي بعقوبة أخف يطبق على الجرائم المقترفة قبل نفاذه , ما لم يكن قد صدر بشأنها حكم مبرم " .
إذاً : يشترط هنا لتطبيق القانون الأصلح ألا يكون قد صدر حكم مبرم في الدعوى , ويعتبر الحكم مبرماً إذا استنفذ الفاعل طرق الطعن كافة
فإذا كان صدر حكم ابتدائي ثم نفذ القانون الجديد الأصلح للمدعى عليه قبل الحكم في الاستئناف وجب على محكمة الاستئناف أن تطبق هذا القانون , وكذلك يكون الحال إذا صدر القانون الجديد بعد الاستئناف وقبل أن يصدر القرار محكمة النقض .
أما إذا صدر هذا القانون بعد أن أصبح الحكم في الدعوى مبرماً للطعن فيه بأي شكل من أشكال المراجعة فلا يوجد أي محل لتطبيق القانون الجديد وعلة ذلك هو وجوب احترام الأحكام القضائية التي لها قوة القضية المقضية .
وحكمة هذا الاستثناء الخاص بالقوانين الجزائية الأصلح للمتهم هي أن قاعدة عدم سريان القانون على الماضي تقررت لحماية الأفراد من طغيان السلطة العامة , وهذه الحكمة لا تتوافر إلا في حالة ما إذا كان القانون الجديد أشد مما عليه الأمر في القانون القديم , أما إذا كان القانون الجديد قد جاء أكثر رفقاً بهم فإن هذه الحكمة تنتفي ويصبح الخروج على القاعدة المذكورة أجدى لهم .
3- إذا عدل القانون الجزائي الجديد شروط التجريم تعديلاً ينفع المدعى عليه , كما لو أضاف القانون الجديد ركناً لم يكن يتطلبه القانون القديم , وهذا ما نصت عليه المادة الثالثة من قانون العقوبات السوري , حيث اعتبرت أن : " كل قانون يعدل شروط التجريم تعديلاً ينفع المدعى عليه يطبق على الأفعال المقترفة قبل نفاذه ما لم يكن قد صدر بشأنه حكم مبرم " .
إذاً يشترط لاستفادة المدعى عليه في هذه الحالة عد صدور حكم مبرم في الدعوى .
|