يقصد بالأخلاق مجموعة المبادئ المستقرة في ضمير الأفراد عن الخير والشر في عصر من العصور , حيث تكون المثل العليا التي يعتبرها غالبية الأفراد قواعد سلوك ملزمة ينبغي عليهم احترامها , وإلا استحقوا سخط المجتمع وازدرائه , وهذه القواعد تبين واجبات الشخص تجاه نفسه وواجباته تجاه بقية أفراد المجتمع .
وفي الواقع إن التمييز بين القواعد القانونية والقواعد الأخلاقية تمييز حديث لم تتضح معالمه إلا منذ القرن الثامن عشر , ففي المجتمعات القديمة كان هناك تداخل ومزج لدرجة الوصول إلى وحدة المفاهيم والقواعد.
وبالرغم من هذا التداخل بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق فقد حاول بعض فقهاء القرن الثامن عشر أمثال الفيلسوفان الألمانيان " توماسيوس " , و " كانت " , بيان الأسس التي يقوم عليها التمييز بينهما .
و يلاحظ أن هذه الأسس التي اعتمدها هؤلاء الفقهاء إنما تستند إلى معيار اختلاف الغاية التي تستهدف الوصول إليها كل من قواعد القانون وقواعد الأخلاق .
# فقواعد الأخلاق ترتبط بوجدان الأفراد وضمائرهم وتهدف إلى تحقيق الطمأنينة الذاتية والسلامة الداخلية للإنسان للوصول به إلى مرحلة الكمال الفردي, لذلك يقال عن الأخلاق بأنها نظام فردي أو شخصي .
# بينما قواعد القانون تهدف أصلاً إلى تحقيق الطمأنينة والسلامة العامة للوصول إلى تحقيق وتأمين النظام في المجتمع , لذلك يقال عن القانون بأنه نظام اجتماعي .
*واستناداً إلى ذلك يمكن القول أن من أهم أوجه الاختلاف بين القانون والأخلاق ما يلي :
أولاً : من حيث نطاق كل منهما :
إن الأخلاق أوسع نطاقاً من القانون , لأن:
# قواعد الأخلاق تعنى ببيان واجبات الفرد سواء تجاه خالقه , أو تجاه نفسه , أو تجاه غيره من الأفراد .
# أما قواعد القانون فالأصل أنها لا تهتم إلا بأعمال وتصرفات الأفراد ذات التأثير المباشر على حياة المجتمع , أي تقتصر فقط على بيان واجب الشخص تجاه الغير .
وإذا كانت قواعد القانون لا تتعرض إلا لأفعال وتصرفات الإنسان ذات المظهر الخارجي إلا أن هذا لا يمنع أن تعنى هذه القواعد فـي بعض الحالات بالنوايا والمقاصد , ومثال ذلك قواعد قانون العقوبات عندما تشترط القصد الجنائي لقيام الجريمة , وقواعد القانون المدني عندما تشترط حسن النية إلى جانب السبب الصحيح لاعتبار الحيازة سنداً للحائز , إلا أن الموضوع الأساسي لقواعد القانون يبقى دائماً أفعال وتصرفات الإنسان الخارجية .
يترتب على ما تقدم أن هناك منطقة مشتركة بين قواعد القانون وقواعد الأخلاق , وإلى جانبها توجد منطقة خاصة بقواعد القانون , ومنطقة خاصة بقواعد الأخلاق .
1- المنطقة المشتركة :
تتحدد هذه المنطقة في نطاق النشاط الظاهر أو الخارجي للأفراد , أي تلك القواعد التي تبين واجب الفرد نحو الغير , مثل القواعد التي تحرم الاعتداء على جسم الغير بالقتل والضرب , أو الاعتداء على ماله بالسرقة أو النصب أو إساءة الأمانة ..... لا بل إن هناك هامة نظريات امتزجت فيها القواعد القانونية بالقواعد الأخلاقية , كنظرية التعسف في استعمال الحق , ونظرية الإثراء بلا سبب , و إمكانية قيام القاضي بتعديل الشروط التعاقدية استناداً لنظرية الظروف الطارئة , وما أشبه ذلك .
2- المنطقة الخاصة بالقواعد القانونية :
وهذه المنطقة تضم قواعد محدودة ذات طبيعة خاصة أوجدها المشرع تحقيقاً لاستقرار المراكز القانونية وإقامة النظام في المجتمع ومثالها :
• أن يسمح القانون بالاتفاق بين المقرض والمقترض على أن يدفع الأخير للأول فائدة على ما يفترضه منه .
• ومنها أيضاً القواعد المتعلقة بالتقادم , سواء تعلق الأمر بالتقادم المكسب للحق أو بالتقادم المسقط له .
•ومنها أيضاً القواعد التي توجب الكتابة في إثبات التصرفات القانونية , كالفقرة الأولى من المادة 456 ق.م.س والتي تنص على أنه :
[ تكون الهبة بسند رسمي وإلا وقعت باطلة ,ما لم تتم تحت ستار عقد أخر ] .
• وكذلك القواعد المتعلقة بتنظيم السير التي يفرضها القانون لتأمين النظام وتجنب وقوع الصدامات , إذ أنها خاصة بالقانـون ولا توجد للأخلاق علاقة بها , فسيان بالنسبة للأخلاق مثلاً أن يكون السير في الطريق على اليمين أو على الشمال .
غير أن الوقوف على الغايات والأهداف التي أرادها المشرع من هذه القواعد يؤدي إلى القول بأنه وإن كان ظاهر هذه القواعد لا يتصل بالأخلاق إلا أن غايتها تحقيق الخير العام للجماعة , وتحقيق الخير العام هو من قواعد الأخلاق .
3- المنطقة الخاصة بقواعد الأخلاق :
وهي منطقة تضم قواعد تتعلق بتصرفات الإنسان الفردية والتي ليس لها أي مظهر خارجي ,أي لا تؤثر على صلاته ببقية الأفراد, ومثالها : القواعد التي تحث الإنسان على الصدق في القول , وإغاثة الملهوف, وترك الحسد, ومواساة الغير في السراء والضراء , وما أشبه ذلك .
واستناداً إلى ما تقدم يلاحظ أن نطاق الأخلاق أوسع من نطاق القانون .
ثانياً : من حيث الشدة :
تعتبر القواعد الأخلاقية أكثر تشدداً من القواعد القانونية , فإذا كانت القواعد القانونية ترمي في إطار تنظيم المجتمع واستمراره لمراعاة مبدأ المصلحة والنفع العام فإنها ستقبل في كثير من الأحيان بأمور لا يمكن للقواعد الأخلاقية أن تقبلها طالما أنها تهدف إلى تحقيق السمو بالفرد والوصول به إلى الكمال .
- ومثال ذلك : لا يمكن للقواعد الأخلاقية أن تقبل بأي حال من الأحوال أن يمتنع المدين عن الوفاء بدينه وأن يتمسك بالتقادم , بعكس القواعد القانونية التي تسمح للمدين بأن يمتنع عن الوفاء بدينه ويتمسك بالتقادم , لأن مصلحة الاستقرار في المراكز القانونية التي هي جزء من المصلحة العامة تقتضي أن لا تبقى النزاعات على الحقوق قائمة بشكل مستمر , بل يجب حسمها حفاظاً على استقرار المجتمع , ومن هنا جاءت المادة 372 ق.م.س لتنص على أنه :
[ يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشر سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون ... ] .
- مثال آخر : يتمثل هذا المثال في موضوع الغبن :
# فقواعد القانون لا تمنع الغبن إلا ضمن شروط معينة , أما خارج ذلك فلا تسمح
بإبطال العقود بسبب الغبن وذلك حفاظاً على استقرار التعامل بين الأفراد , فقد ورد في نص الفقرة الأولى من المادة 393 ق.م.س أنه : [ إذا بيع عقار مملوك لشخص لا تتوافر فيه الأهلية وكان في البيع غبن يزيد على الخمس , فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل ] .
ويفهم من هذا النص أن الغبن في حدود الخمس مسموح به قانونياً .
# أما القواعد الأخلاقية فإنها تحض على أن يكون التعامل تعاملاً مثالياً , وهذا يفترض أن يتمسك البائع بمبدأ العدل فلا يطالب بثمن يزيد عن الثمن الحقيقي , لأن ذلك يؤدي إلى المساس بمصلحة المشتري.
ثالثاً : من حيث المؤيد أو الجزاء :
يترتب على مخالفة كل من قواعد القانون وقواعد الأخلاق جزاء , إلا أن طبيعة هذا الجزاء مختلفة :
# فالجزاء بالنسبة للقاعدة القانونية جزاء مادي محسوس تتولى السلطة العامة توقيعه جبراً بما تملكه من وسائل الإكراه والقسر .
# وهذا بخلاف الجزاء في القاعدة الأخلاقية , حيث يقتصر المؤيد أو الجزاء على مجرد تأنيب الضمير والوجدان الفردي أو استنكار الضمير الجماعي العام دون تدخل من السلطة العامة .
تلك هي أهم ما يميز القاعدة القانونية عن القاعدة الأخلاقية , على أن هذه الفوارق التي تميز كل منهما عن الأخرى لا تعني انقطاع الصلة بين القانون والأخلاق بل أن هذه الصلة ستبقى قائمة ومتينة .
|