- الوديعة :
الوديعة عقد يلتزم به شخص أن يتسلم شيئاً من آخر ، على أن يتولى حفظ هذا الشيء ورده عيناً. وطبقاً لهذا التعريف يمكننا القول بأن عقد الوديعة يتميز بخاصتين أساسيتين :
الأولى :
أن القصد من تسليم الشيء هو حفظه ، فإذا لم يكن الغرض من التسليم هو الحفظ ، إنما كان المعاينة والرد ، فلا نكون أمام جريمة إساءة ائتمان ، إنما نكون أمام جريمة سرقة .
الثانية :
أن المودع لديه ، عليه التزام برد الشيء عيناً ، أي بذاته ، يستوي في ذلك أن يكون الشيء قيمياً أو مثلياً ، وفيما يتعلق بهذه الخاصية ، أي التزام المودع لديه بالرد عيناً ، لا يثير الأمر أية مشكلة ، إذا كان الشيء من الأشياء القيمية ، وهي التي لا يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء ، إذ أن عدهم ردها عيناً ، أو رد شيئاً يساويها في القيمة ، أمر تقوم به جريمة إساءة ائتمان ، أما إذا كان الشيء من الأشياء المثلية ، وهي التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء مثل النقود والحبوب … الخ .
فإن مسألة الرد العيني تثير بعض الصعوبة ، وحل هذه المسألة يتوقف على إرادة الطرفين المتعاقدين ، المودع والمودع لديه ، فإذا اتفقنا على رد الشيء المثلي نفسه فإن جريمة إساءة الائتمان تتحقق ، إذا تصرف المودع لديه بهذا الشيء ، فإذا أودع شخص لدى آخر أوراقاً نقدية نادرة ، أو سندات لحاملها ، وقام بتحديد أرقامها واشترط الرد عيناً ، فإن المودع لديه يعتبر مسيئاً للائتمان ، إذا تصرف بهذه الأوراق أو السندات ، ولو أراد رد ما يماثلها .
أما إذا لم يتفق الطرفان على رد الشيء المثلي نفسه ، فإن جريمة إساءة الائتمان ، لا تقع ، إذا تصرف المودع لديه بالشيء ، طالما أن لديه مبلغاً من النقود ، يعادل الشيء في قيمته ، وقام برد هذه القيمة عند الطلب ، ولكن يجب أن نلاحظ أنه إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود ، أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال ، وكان المودع قد أذن للمودع لديه في استعمال الشيء اعتبر العقد في هذه الحالة عقد قرض ، ولا يعتبر عقد وديعة ، وبالتالي إذا امتنع الرد أو عن رد قيمته ، أو تصرف فيه ، لا يعتبر مسيئاً للائتمان ، لأن عقد القرض لا يعتبر من عقود الائتمان .
- حكم الوديعة القضائية والوديعة القانونية :
وإذا كانت الوديعة في الأصل ، عقد يبرم بين المودع والمودع لديه ، أي أنها تعاقدية ، إلا أن الوديعة القضائية ، تعتبر في حكم الوديعة التعاقدية ، في معرض تطبيق النصوص الخاصة بإساءة الائتمان ، والدليل على ذلك أن نص المادة 656 لم يقل " سلم إليه بموجب عقد الوديعة " إنما قال " سلم إليه على وجه الوديعة " .
والوديعة القضائية هي التي تستند إلى حكم قضائي ، يستمد منه المودع لديه صفته هذه ، أو هي إيداع شيء متنازع عليه بين يدي شخص ثالث ، فالحارس القضائي يعتبر وديعاً ، والأصل أنه إذا اختلس أو تصرف بالشيء اعتبر مسيئاً للائتمان ، إلا أن المشرع لم يدرج فعله في نطاق النصوص الخاصة بإساءة الائتمان – وإن كان فعله يعتبر صورة من صور إساءة الائتمان – إنما أدرجه ضمن النصوص الخاصة بالجرائم التي تمس قوة القرارات القضائية .
وتعتبر الوديعة القانونية أيضاً بحكم الوديعة التعاقدية ، والوديعة القانونية هي التي يكون مصدرها القانون ، فالوارث الذي يتسلم شيئاً كان قد تم تسليمه إلى مورثه ، على وجه الوديعة قبل وفاته ، وهو على علم بذلك ، يعتبر مسيئاً للائتمان ، إذا كتمه أو اختلسه أو تصرف فيه .
والنص الواجب التطبيق في حالة التسليم على وجه الوديعة هو نص المادة 656 ، لأن هذا النص يطبق سواء كان موضوع الجريمة من القيمات أو المثليات ، ولأن التسليم بموجب عقد الوديعة لا يتم " لعمل معين " ، حتى تستثنى المثليات ، التي هي موضوع المادة 657 .
- الوكالة :
الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل ، ولا شك أن تنفيذ الوكالة يقتضي تسلم الوكيل مبلغاً من النقود أو شيئاً آخر من الموكل أو من شخص آخر لحساب الموكل ، حتى يتمكن من البيع أو الشراء أو وفاء الديون أو استيفاء الحقوق ، فإذا كتم الموكل أو اختلس أو تصرف بالشيء الذي سلم إليه ، شكل فعله جريمة إساءة ائتمان ، ولا فرق بعد ذلك أن تكون الوكالة بأجر أو بدون أجر .
والوكالة إما أن يكون موضوعها مالاً قيمياً أو مالاً مثلياً ، فإذا كان موضوعها مالاً قيمياً ، كان نص المدة 656 هو النص الواجب التطبيق ، وإذا كان موضوعها مالاً مثلياً ، فإن نص المادة 657 هو النص الواجب التطبيق ، لأن التسليم بموجب وكالة لا يتم إلا " لعمل معين " ، والمادة 657 اختصت بالمثليات التي تسلم لعمل معين فقط ، فتكون هي الواجبة التطبيق .
- الإجارة :
الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم ، وإساءة الائتمان بطريق الإجارة ، تقع في الغالب على الأشياء المنقولة ، والتي يدخل ضمنها العقارات بالتخصيص ، ولكن على الرغم من أنها تقع غالباً على الأشياء المنقولة ، بما في ذلك العقارات بالتحصيص ، إلا أنه يمكن أن تقع على الأشياء الثابتة ، إذا تمكن الجاني من نزعها عن أصلها ، كالأبواب والنوافذ والأشجار . فالتصرف في هذه الأشياء المسلمة إلى الشخص بموجب عقد الإجارة يجعل منه مرتكباً لجريمة إساءة الائتمان .
وجريمة إساءة الائتمان ، في الحالة التي نحن بصددها ، لا تتحقق إلا إذا اعتدى المستأجر على ملكية الشيء ، وذلك بضمه إلى ملكه ، عن طريق كتمه أو اختلاسه أو بالتصرف فيه تصرف المالك .
ويترتب على هذا التحديد ، أن مجرد الإخلال بشروط العقد ، كعدم دفع الأجرة والإهمال في رعاية الشيء وحفظه الأمر الذي ترتب عليه تعيينه أو تلفه ، أمور لا تقوم بها جريمة إساءة الائتمان ، ولا ترتب المسؤولية الجزائية ، وإن كانت ترتب التعويض المدني نتيجة للإخلال بعقد الإيجار .
وتجدر الإشارة إلى أن النص الواجب التطبيق في حالة اختلاس المستأجر أو تصرفه في الأشياء المسلمة له ، هو نص المادة 656 ، لأن التسليم بموجب عقد الإجارة لا يتم " لعمل معين " ، بالإضافة إلى ذلك فإن الإجازة ترد في الأغلب الأعم على أشياء قيمية .
- العارية :
العارية عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئاً غير قابل للاستهلاك ليستعمله بدون عوض ، لمدة معينة ، أو في غرض معين ، على أن يرده بعد الاستعمال .
والمقصود بالعارية هنا ، عارية الاستعمال وليس عارية الاستهلاك ، لأنه إذا كان الشيء المعار قابلاً للاستهلاك باستعماله ، فإن العقد في هذه الحالة يعتبر عقد قرض ، والمتسعير فيها لا يلتزم إلا برد مقابل الشيء وإن كان من نوعه .
وعارية الاستعمال لا ترد في الأصل إلا على مال قيمي ، فهو وحده غير القابل للاستهلاك ، وهو الذي يمكن رده بذاته ، ولكن يمكن أن ترد عارية الاستعمال على شيء مثلي ، إذا اتجهت نية المتعاقدين على رد الشيء المثلي بذاته . كأن يعبر شخص لآخر قطعة نقود نادرة لعرضها في معرض ثم ردها بذاتها ، فإذا رفض المستعير الرد عيناً ، قامت جريمة إساءة الائتمان .
وجريمة إساءة الائتمان لا تتحقق إلا إذا اعتدى المستعير على ملكية الشيء ، وذلك بضمه إلى ملكه أو كتمه أو اختلاسه أو بالتصرف فيه تصرف المالك ، أما إذا أهمل في المحافظة عليه أو استعمله في غير الغرض المتفق عليه في العقد ، فلا تقوم جريمة إساءة الائتمان .
- الرهن :
رهن المنقول عقد يخصص بمقتضاه شيء منقول مادياً أو غير مادي ، بتأمين التزام ما . وتتوافر جريمة إساءة الائتمان بحق الدائن المرتهن ، إذا رفض رد الشيء المرهون بذاته مدعياً ملكيته ، ولا يمكنه الاحتجاج بعدم الوفاء بالدين المؤمن بالرهن ، لأنه في حالة عدم الوفاء ، عليه أن يلجأ إلى القاضي طالباً منه ترخيصاً ببيع المرهون ، إما بالمزاد العلني أو بسعر البورصة أو السوق إن وجدتا .
والرهن كما أن محله يمكن أن يكون شيئاً مادياً ، يمكن أن يكون أيضاً شيئاً غير مادي ، كالسندات التي تتضمن حقوقاً .
وحتى تقوم جريمة إساءة الائتمان لا بد من تسليم السند واستعماله على نحو يستشف منه أنه يدعي الحق الذي يتضمنه ، فمن رهن لديه سند سحب فظهره وقبض مبلغه ، يعتبر مرتكباً لجريمة إساءة الائتمان ، والغالب أن يكون محل الرهن شيئاً قيمياً ، حتى يمكن رده عيناً ، ولكن يمكن أن يرد الرهن على شيء مثلي ، إذا اتجهت نية المتعاقدين على رد الشيء المثلي بذاته ، وفي هذه الحالة ، بشكل عدم رد الشيء بذاته جريمة إساءة الائتمان .
- عقود المقاولة والنقل والخدمات المجانية :
المقاولة عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يضع شيئاً أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر ، وعقد النقل يتميز بالخدمة التي يتعهد الناقل بتقديمها ، وهي تأمين انتقال شخص أو شيء من موضع إلى آخر ، وعقد الخدمات المجانية لا يختلف عن عقد المقاولة إلا في كون أحد المتعاقدين – في عقد الخدمات المجانية - ، يؤدي عمله بدون أجر ، وقد أشار المشرع إلى هذه العقود بقوله في المادة 656 أو " لإجراء عمل لقاء أجرة أو بدون أجرة " .
وهذه العقود الثلاثة تشترك جميعها في أن التسليم بناء عليها ، يوجب على المستلم أن يرد الشيء ذاته ، فإن كتمه أو اختلسه أو تصرف فيه ، فإن فعله هذا يشكل جريمة إساءة ائتمان ، فالخياط الذي يستلم من شخص قطعة قماش لخياطتها فيكتمها أو يختلسها أو يتصرف فيها ، يعتبر مسيئاً للائتمان ، والكواء الذي يستلم من شخص ثوباً لكيه فيختلسه يعتبر أيضاً مسيئاً للائتمان ، والطحان الذي يستمل قمحاً من شخص لطحنه ، فيتصرف فيه يعتبر مسيئاً للائتمان ، والمحامي الذي يستلم مستندات موكله للدفاع عنه أمام القضاء ، فيكتمها أو يتصرف فيها ، يعتبر مسيئاً للائتمان ، ففي كل هذه الحالات هناك تسليم بناء على عقد المقاولة ، والأمين ملتزم برد الشيء ذاته ، فإن لم يرد الشيء ذاته ، عد مسيئاً للائتمان .
ويسأل عن جريمة إساءة ائتمان بناء على عقد النقل ، الناقل الذي يستلم بضاعة ، لنقلها من مكان لآخر فيختلسها .
ويعتبر مسيئاً للائتمان – بناء على عقد الخدمات المجانية – الصديق الذي يسلمه صديقه شيئاً لإصلاحه ، بدون مقابل ، كمذياع ، فيختلسه .
وغني عن البيان أنه حتى تقوم جريمة إساءة الائتمان ، في الحالات السابقة ، لا بد أن يكون التسليم ناقلاً للحيازة الناقصة ، فإذا كان التسيلم مقصوداً به نقل الحيازة التامة ، فلا تتوافر جريمة إساءة الائتمان ، فالكواء الذي يستلم ثوباً لكيه ، ويستلم من صاحبه مبلغاً من النقود كأجر، يعتبر مسيئاً للائتمان إذا اختلس الثوب ، أما إذا رد الثوب قبل الكي ، ورفض رد مبلغ النقود ، فإنه في هذه الحالة ، لا يعتبر مسيئاً للائتمان ، لأن النقود سلمت إليه على سبيل الحيازة التامة .
كذلك لا تقوم جريمة إساءة الائتمان إذا كان التسليم مقصوداً به مجرد تمكين اليد العارضة ، فالخادم الذي يستلم من مخدومه الأدوات المنزلية ، لاستعمالها في منزل مخدومه ، وتحت رقابته لا يعتبر مسيئاً للائتمان ، إذا تصرف فيها ، إنما يعد فعله سرقة ، لأن هذه الأدوات سلمت إليه لمجرد تمكين اليد العارضة .
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان محل التسليم ، في العقود المشار إليها آنفاً ، شيئاً من المثليات ، فإن المادة 657 هي الواجبة التطبيق ، لأن التسليم بناء على هذه العقود تم " لعمل معين " ، أما إذا كان محل التسليم في هذه العقود ، شيئاً قيمياً ، فإن المادة 656 هي الواجبة التطبيق .
|