دور العرف الدستوري في الدساتير العرفية مثل الهند وبريطانيا

إن العرف الدستوري الذي ينشأ إلى جانب وثيقة الدستور قد يقتصر دوره على مجرد تفسير نصوص هذه الوثيقة , أو مكملاً لنقص فيها أو حتى معدلاً لحكم من أحكامها . 


1- العرف المفسر : 

الدور المفسر للعرف يكون عندما يكشف احد نصوص الوثيقة الدستورية غموضاً أو إبهام فيكون عرضة للأخذ و الرد فالعرف المفسر يأتي لإزالة هذا الغموض و الإبهام و يوقف الأخذ و الرد في فهم هذا النص بحيث يجري العمل على تفسيره على نحو معين فالعرف الدستوري المفسر لا يخرج عن دائرة النصوص المكتوبة و إنما يعمل في نطاقها ( فهو لا ينشىء قاعدة دستورية جديدة بل يقتصر دوره على تفسير قاعدة دستورية مكتوبة و مبهمة ) . 
و من الأمثلة التقليدية التي يقدمها الفقه الفرنسي للدلالة على العرف الدستوري المفسر ما جرى عليه العمل في ظل دستور 1875 حيث جاء في المادة الثالثة منه على أن رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ القوانين و قد فسر هذا النص بإعطاء رئيس الجمهورية سلطة إصدار لوائح تنظيمية رغم أن نص الدستور لم يذكر شيئاً من هذا القبيل وذلك لأن ضمان تنفيذ القوانين لا يكون إلا عن طريق إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذها . 
أما فيما يتعلق بالقيمة القانونية للعرف الدستوري المفسر فقد ذهب معظم الفقهاء على إعطائه نفس القيمة القانونية للنصوص الدستورية بحيث يصبح جزء منها سواء كان الدستور مرناً
( يتم تعديله بنفس الإجراءات اللازمة لتعديل التشريعات العادية ) أم جامداً
( يحتاج تعديله لإجراءات خاصة ) . 
ونضيف بأن العرف المفسِّر يسري من تاريخ صدور القانون أو العرف المفسَّر .


2- العرف المكمل :     

يفترض وجود قصور أو نقص في الأحكام الواردة في وثيقة الدستور فيأتي العرف الدستوري المكمل ليكمل النقص و يسد العجز عن طريق تنظيم الموضوع الذي أغفل المشرع الدستوري تنظيمه فالعرف المكمل و على خلاف العرف المفسر لا ينحصر دوره في نطاق النصوص المكتوبة بحيث يعمل على توضيحها فهو عرف منشىء ينشء حكماً جديداً دون الاستناد إلى نص مكتوب . 
أما بالنسبة للقيمة القانونية للعرف المكمل فقد اختلف الفقهاء في هذا المجال : 
أ- ذهب جانب كبير منهم إلى إلحاق العرف المكمل بالعرف المفسر من حيث القيمة القانونية أي له نفس القيمة القانونية للنصوص الدستورية المكتوبة فالعرف المكمل ليس إلا نوعاً من العرف المفسر إذ يقوم بتفسير سكوت المشرع الدستوري عما أغفله من تنظيم لأحد الموضوعات في حين يذهب جانب آخر من الفقه إلى القول إن القيمة القانونية للعرف المكمل لا ترقى إلى قوة النصوص الدستورية المكتوبة و اعترف له فقط بالقوة القانونية للتشريعات العادية فالعرف برأيهم إذا خرج عن نطاق تفسير النصوص المكتوبة فإنه يكون قد أنشأ قاعدة جديدة و بالتالي قام بتعديل الدستور وهذا أمر لا يجوز في ظل الدساتير الجامدة التي لا يمكن تعديلها إلا وفق الإجراءات خاصة . 
- أما الاتجاه الثالث : الذي يقول به الفقيه جوليان لافريير فقد ميز بين حالتين : حالة اقتصار العرف على تحديد الكيفية أو الوسائل التي يتم من خلالها تطبيق حكم من الأحكام المقررة في وثيقة الدستور . فعندئذ يماثل العرف المفسر و يأخذ حكمه أما في الحالة الثانية فيتعدى دور العرف مجرد كمال النقص و سد العجز إلى إنشاء قواعد دستورية جديدة لا تستند إلى نص من نصوص وثيقة الدستور فهذا النوع يعتبر عرفاً معدلاً للدستور لا يمكن الاعتراف له بقيمة قانونية في ظل دستور جامد . 


3- العرف المعدل :

لا يقتصر دور العرف الدستوري على تفسير أو إكمال القواعد الدستورية المكتوبة و إنما قد تصل إلى حد تعديل هذه النصوص فالعرف الدستوري المعدل هو ذلك العرف الذي يعدل حكماً من أحكام الوثيقة الدستورية سواء بإضافة حكم جديد إليها أو حذفه حكم من أحكامها . 
إذاً فالعرف المعدل نوعان : 
أ- عرف معدل بالإضافة ( إيجابي ) . 
ب- عرف معدل بالحذف ( سلبي ) . 

فالعرف المعدل بالإضافة يعتبر عرفاً إيجابياً لأنه يقوم بإضافة حكم جديد كما حال العرف المكمل و لكن يختلف عن العرف المكمل لأنه يعدل في أحكام الوثيقة الدستورية بإضافة حكم جديد لها في حين أن العرف المكمل ينحصر دوره في تنظيم الأمور التي أغفلت الوثيقة الدستورية تنظيمها أما العرف المعدل بالحذف فيكون بإسقاط حق أو اختصاص من الاختصاصات المقررة في وثيقة الدستور أي يكون دور العرف متمثلاً في عدم تطبيقه نص ورد في وثيقة الدستور . و من الأمثلة المقدمة بالحذف من قبل الفقه الفرنسي للدلالة على العرف المعدل بالحذف : عزوف رؤساء الجمهورية الفرنسية عن استعمال حق حل الجمعية الوطنية و المنصوص عليها في دستور 1875 مدة طويلة تمتد من 1877 و حتى 1940 م .
- أما بالنسبة للقيمة القانونية للعرف المعدل فقد اختلف الفقهاء أيضا و انقسموا إلى عدة تيارات

التيار الأول : ذهب إلى عدم مشروعية العرف المعدل  و عدم الاعتراف بأية قيمة قانونية له فالعرف لا يمكنه تعديل أحكام الدستورالمكتوبة و خاصة إذا كان الدستور جامداً 
( يشترط لتعديله إجراءات خاصة ) .
 و بهذا المنظور يعتبر العرف المعدل خرقاً لنصوص الدستور و إعلاء لإرادة الهيئات الحاكمة منشئة العرف على إرادة الأمة المعبر عنها في الدستور . 

- أما التيار الثاني : فذهب إلى الاعتراف بمشروعية العرف المعدل وذلك على أساس أن العرف في حقيقته ليس سوى التعبير المباشر عن إرادة الأمة صاحبة السيادة في تعديل النصوص الدستورية التي كانت قد أقرتها في الوثيقة الدستورية و لكن أصحاب هذا التيار انقسموا إلى فريقين في تحديدهم للقيمة القانونية للعرف المعدل . 
- فريق يرى أن القوة القانونية للعرف المعدل تتساوى مع القيمة القانونية للقوانين العادية في حين أن الفريق الثاني يرى أن للعرف المعدل نفس القيمة القانونية لنصوص وثيقة الدستور ويردون على الفريق الأول بأنه لو أعطينا للعرف المعدل مجرد قوة القوانين العادية فلا نستطيع تعديل نصوص وثيقة الدستور , لأنه من البديهي لا يمكن للقاعدة القانونية الأدنى أن تعدل قاعدة قانونية أعلى . 

أما التيار الثالث : فيميز في المشروعية والقيمة القانونية للعرف المعدل بين العرف المعدل بالإضافة و العرف المعدل بالحذف , فأصحاب هذا التيار يعترفون بالعرف المعدل بالإضافة و يعطونه الصحة القانونية نفسها لأحكام وثيقة الدستور , أما العرف المعدل بالحذف فلا يعترفون بمشروعيته و لا حتى بإمكان حدوثه عملياً لأن عدم استخدام إحدى السلطات الحاكمة لحق من حقوقها الدستورية لا يسقط هذا الحق مع مرور الزمن لأنه يمكنها استخدامه متى شاءت و يدللون على ذلك في المثال الذي ذكرناه سابقاً و المتعلق بعزوف رؤساء الجمهورية الفرنسية عن استعمال حق حل الجمعية الوطنية و المنصوص عليها في دستور 1875 فترة طويلة و يقولون إن إحجام الرؤساء عن استخدام هذا الحق كان لأسباب سياسية بحتة . 
وهنا نشير إلى أن  العرف المصري يعترف للعرف المعدل بالإضافة بقيمة قانونية و لا يعترف بأية قيمة قانونية للعرف المعدل بالحذف . 

- إضافة للمصادر الرسمية للقواعد الدستورية المتمثلة بالقوانين الدستورية و العرف الدستوري توجد مصادر غير رسمية أو تفسيرية متمثلة بالاجتهاد و الفقه فالاجتهاد الدستوري المتمثل بأحكام القضاء الدستوري يلعب دوراً مهماً في الحياة الدستورية سواء في الدول التي تأخذ بنظام القضاء الدستوري المفتوح ( الرقابة على دستورية القوانين ) كالولايات المتحدة الأمريكية أو في الدول التي تأخذ بنظام القضاء الدستوري المغلق كفرنسا . 
 كذلك فإن الفقه الدستوري يشكل مصدراً تفسيرياً هاماً للنصوص الدستورية و خير دليل على ذلك المداخلة القيمة التي أدلى بها النائب اللبناني نقولا فتوش ( وهو أستاذ جامعي للقانون ) أمام مجلس النواب في جلسة مناقشة الموازنة العامة للدولة لعام 1998 حول تفسير اللبس و الغموض المتعلق بموضوعي الحصانة النيابية و محاكمة الوزراء المنصوص عليهما في الدستور اللبناني . هذه المداخلة القيمة التي تناولت عرضاً لأهم أراء كبار فقهاء القانون الدستوري في فرنسا و لبنان في هذا المجال تبناها عدد كبير من النواب .