إن معيار التمييز بين الدساتير المرنة و الدساتير الجامدة يعتمد على كيفية تعديل الدستور .
المطلب الأول
الدساتير المرنة
كيف نميز بين الدستور المرن و الدستور الجامد ؟
ج- نميز عندما ننظر إلى الطريقة التي يتم بها تعديل كل من الدستور المرن و الدستور الجامد.
فالدستور المرن هو الذي يمكن تعديله بنفس الإجراءات و الطريقة التي تعدل بها القوانين العادية : أي أن تعديل الدستور لا يتطلب إجراءات خاصة و بالتالي فإنه بإمكان المشرع العادي تعديل الدستور بسهولة و تختفي بذلك التفرقة بين القواعد الدستورية و القوانين العادية .
و من أمثلة الدساتير المرنة الدستور الانكليزي الذي هو دستور عرفي - حيث يستطيع البرلمان تعديل قواعده العرفية ( الغالبية ) أو قواعده المكتوبة عن طريق القوانين العادية دون الحاجة لإتباع إجراءات خاصة .
و من أمثلة الدساتير المكتوبة المرنة للدستور دستور فرنسا لعام 1841 و 1930 م و دستور الاتحادي السوفيتي السابق لعام 1918 و دستور جمهورية أيرلندا الحرة لعام 1922 و دستور نيوزلاندا لعام 1947 و دستور الصين لعام 1975 م .
إذاً فالدستور المرن يمتاز بسهولة التعديل و يسمح بمسايرة التغيرات التي قد تطرأ في الدولة مع المحافظة على استقرار و ثبات قواعده , فسهولة تعديلها لا تعني إطلاقاً عدم استقرارها و لكن نخشى أن تؤدي سهولة التعديل إلى إضعاف احترام القواعد الدستورية من قبل الهيئات الحاكمة و المحكومين على حد سواء أو تؤدي إلى إحداث تعديلات لا مبررات موضوعية لها و إنما لمجرد أهواء أو أغراض شخصية أو حزبية للحكام .
مثال : استغل موسوليني مرونة الدستور الإيطالي لعام 1848 م و أقام نظاماً سياسياً انتهك فيه الحقوق و الحريات.
ملاحظة : تؤدي المرونة إلى هدر كل قيمة للرقابة على دستورية القوانين التي تشكل ضمانة أساسية لحماية الحقوق و الحريات العامة المنصوص عليها في الدستور .
المطلب الثاني
الدساتير الجامدة
على خلاف الدستور المرن :
يقصد بالدستور الحامد أو الصلب كما يسميه البعض الدستور الذي لا يمكن تعديله إلا وفقاً لإجراءات خاصة تختلف عن تلك التي تتبع في تعديل القوانين العادية و هذه الإجراءات يرد النص عليها في صلب وثيقة الدستور .
و يترتب على جمود الدساتير أن يتحقق لقواعده طابع السمو على بقية القواعد القانونية التي لا يمكنها مخالفة قواعده تحت طائلة عدم الدستورية كذلك تجنبنا مساوئ الدساتير المرنة المشار إليها سابقاً .
و من أمثلة الدساتير الجامدة : الدستور الفرنسي الحالي لعام 1958 و الدستور الألماني الحالي لعام 1949 و أغلب دساتير الدول العربية الحالية كالدستور اللبناني و المصري و المغربي و الأردني ... الخ و كذلك الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية لعام 1973 حيث نص في الباب الثالث منه في المادة / 149 / بفقراتها الأربعة على إجراءات خاصة في تعديله تختلف عن تعديل القوانين العادية .
- و جمود الدساتير يكون من حيث المبدأ جموداً نسبياً بالصورة التي تحدثنا عنها أعلاه و لكن يمكن أن يكون الجمود مطلقاً .
و الجمود المطلق ثلاثة أنواع :
أولاً : الجمود المطلق الكلي المؤقت بحيث لا يجوز تعديل نص من نصوص الدستور إلا خلال فترة زمنية معينة .
و المثال على ذلك : ما ورد في المادة / 151 / من الدستور السوري القديم و التي جاء فيها " لا يجوز تعديل هذا الدستور قبل مرور ثمانية عشر شهراً على تاريخ نفاذه )
ثانياً : الجمود المطلق الجزئي الدائم بحيث ينص الدستور على عدم جواز تعديل بعض مواده مطلقاً .
و المثال على ذلك : أ- القانون الأساسي الألماني لعام 1949 م يمنع تعديل شكل الفيدرالي للدولة .
و كذلك ما نص عليه دستور المملكة المغربية في الفصل / 101 / و الذي جاء فيه " النظام الملكي لدولة و كذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة"
ثالثاً : الجمود المطلق الكلي الدائم و هناك إجماع فقهي على بطلانه و النص على ذلك لا قيمة له .
في الحقيقة لقد ذهب جانب من الفقه للربط بين مفهوم الدساتير المرنة و الجامدة بمفهوم الدساتير المدونة و غير المدونة إذ ينظر إلى هذين التقسيمين و كأنهما مترادفان فيرون بأن كل دستور مدون هو دستور جامد و كل دستور غير مدون أو عرفي هو دستور مرن .
و الواقع أن هذا الربط ليس صحيحاً بشكل دائم فيمكن أن يكون الدستور مدوناً ومرناً في نفس الوقت و قد قدمنا سابقاً أمثلة على ذلك, كما انه ليس من المحتم أن يكون الدستور العرفي دستوراً مرناً و يقدم الفقه مثالاً على ذلك القوانين الأساسية التي كانت مطبقة في النظام الفرنسي القديم قبل الثورة .
|