إن تعريف القانون الدولي العام على أنه ينظم العلاقات بين الكائنات التي تتمتع بالشخصية الدولية يبين لنا أشخاصه ..
فأشخاص القانون الدولي العام هي الكائنات التي تتمتع بالشخصية الدولية , وبالتالي فلا يقتصر التعريف على الأشخاص الأصلية والأساسية للقانون الدولي العام , وهي الدول , وإنما يشمل كذلك المنظمات الدولية .
فالدول هي الأشخاص الأصلية والأساسية للقانون الدولي العام , فهي التي تضعه لتنظيم العلاقات فيما بينها , ولذا فإنه يتوجه إليها بأحكامه .
غير أنه منذ الحرب العالمية الأولى لم تعد الدول الأشخاص الوحيدة للقانون الدولي العام , وإنما ظهرت إلى جانيها شخصيات أخرى ليست مماثلة لها , غير أنها تتمتع بشخصية دولية محدودة وهي المنظمات الدولية .
فالمنظمات الدولية , سواء كانت عالمية التوجه بمعنى أن باب العضوية يكون فيها مفتوحاً لدول العالم كافة مبدئياً , أو كانت إقليمية التوجه بمعنى أن العضوية فيها تقتصر على دول تنتمي إلى إقليم معين , أقرت لها الدول بالشخصية الدولية حينما أقامتها لتحقيق أهداف مشتركة بينها , ذلك أنه بغير هذه الشخصية لا تستطيع المنظمات الدولية حيازة الوسائل القانونية التي تمكنها من
النهوض بمهامها .
غير أن شخصية هذه المنظمات تمتلك الوسائل القانونية بالقدر اللازم للقيام بوظائفها فحسب .
وأما الكائنات الاجتماعية الأخرى , غير الدول والمنظمات الدولية , فهذه الكائنات لم تتمتع بعد بشخصية دولية ما , ولكن القانون الدولي العام لا يسقطها من حسابه , فيفرد لها مكاناً ويخصها بأحكامه ولكن بصورة محدودة .
أ ـ وتأتي في مقدمة هذه الكائنات الاجتماعية حركات التحرر الوطنية الممثلة لشعوبها والمعترف بها , فهذه الحركات لا تتوافر لها أركان الدولة التقليدية الثلاث , وهي الشعب والإقليم والسيادة , غير أنها تلعب دوراً كبيراً في الحياة الدولية , ولا يمكن للقانون الدولي العام أن يتجاهلها , ومن هنا بدأ يخصها بوضع معين لأنها في مرحلة انتقالية ( مرحلة وسطى ) لم تتحول فيها إلى دولة , كما أنها ليست بكائن اجتماعي يتعلق نشاطه بالقانون الوطني , فإذا تكلل نضالها بالنجاح توافرت لها أركان الدولة وغدت دولة , بمعنى أن لها وضعاً دولياً بحسب المآل , فمآلها أن تتحرر أراضيها وتشكل دولاً .
ب- وإلى جانب حركات التحرر الوطنية ظهرت اتجاهات حاولت , ولا تزال , أن تضع وضعاً دولياً لكائنات أخرى ليس بالنظر إلى نشاطها ومآلها كما هو حال حركات التحرر الوطنية , وإنما بالنظر إلى نشاطها فحسب , كالشركات المتعددة الجنسية ....
فهذه الشركات الضخمة ونظراً لإمكاناتها الكبيرة التي تتجاوز أحياناً قدرات الكثير من الدول الصغيرة تلعب دوراً ملموساً في الحياة الدولية , وتراءى لبعضهم وجوب تخصيص القانون الدولي العام للبعض من أحكامه لها أسوة بحركات التحرر الوطنية , غير أنه يؤخذ على هذا الاتجاه اختلاف طبيعة ونشاط حركات التحرر الوطنية عن هذه الشركات المتعددة الجنسية :
# فحركات التحرر الوطنية تمثل شعوبها في مرحلة انتقالية وبالتالي هي دول بحسب المآل.
# أما هذه الشركات فمهما كبر شأنها وعظم قدرها لن تتغير طبيعتها , وشأنها في ذلك الأفراد .
ج- وأما الأفراد , فبوصفهم أفراداً لذواتهم , لا يساهمون مباشرة في تكوين القانون الدولي العام , كما أن القانون الدولي لا يتوجه إليهم بأحكامه مباشرة , وإنما مداورة عن طريق دولهم , غير أن القانون الدولي العام المعاصر قد حدد لهم مركزاً قانونياً يضمن حداً أدنى من الحماية من خلال حقوق الإنسان , دون أن يعني ذلك تمتعهم بأي قدر من الشخصية الدولية .
اكتب تعليق