اقتصر القانون المدني السوري على وضع قواعد لحل تنازع القوانين من حيث الزمان لثلاث حالات هي : الأهلية , التقادم , الأدلة , بالنظر لأهميتها ولاختلاف الفقه والقضاء في الحلول الواجبة لها .
تنص المادة /7/ من القانون المدني السوري على أنه :
(1)- النصوص المتعلقة بالأهلية تسري على جميع الأشخاص الذين تنطبق عليهم الشروط المقررة في هذه النصوص .
(2)- وإذا عاد شخص توفرت فيه الأهلية بحسب نصوص قديمة , ناقص الأهلية بحسب نصوص جديدة , فإن ذلك لا يؤثر في تصرفاته السابقة .
يتضح من هذا النص : أن المشرع يميز بين مسألتين :
- مسألة الشخص من حيث الرشد أو القصر .
- وحكم تصرفاته التي أبرمها قبل صدور القانون الجديد .
توجب الفقرة الأولى من المادة السابقة سريان حكم القانون الجديد من حيث شروط
الأهلية على جميع الأشخاص الذين تنطبق عليهم من تاريخ نفاذها حتى ولو أدى ذلك إلى أن يصبح القاصر راشداً أو أن يصبح الراشد قاصراً .
باعتبار أن القواعد الجديدة يمكن أن تخفض سن الرشد أو أن ترفعه .
فمثلاً : لو رفع القانون الجديد سن الرشد من ( 18 ) سنة إلى ( 21 ) سنة فإن هذا القانون يسري على جميع الأشخاص الذين أتموا سن الرشد في القانون القديم , ولم يتموا سن الرشد في القانون الجديد حيث يعود هؤلاء الأشخاص قاصرين بعد أن كانوا راشدين في ظل القانون القديم .
أما إذا كان القانون الجديد يخفض سن الرشد من ( 21 ) سنة إلى( 18 ) سنة فإن كل من يكون متماً عند نفاذه الـ ( 18 ) يعتبر راشداً فور هذا النفاذ على
الرغم من اعتباره قاصراً في ظل القانون القديم .
وهذا الحل الذي تبناه المشرع السوري هنا يعتبر تطبيقاً لمبدأ الأثر الفوري والمباشر للقانون .
إن الفقرة الثانية من المادة السابقة تحفظ التصرفات السابقة حيث أن تصرفات الشخص التي أجراها في ظل القانون القديم تبقى محكومة لهذا القانون ولا يسري عليها القانون الجديد .
وعليه فإن التصرفات التي أجراها في ظل القانون القديم أشخاصٌ كانوا راشدين في ظله تبقى صحيحة رغم اعتبارهم قاصرين من جديد ابتداءً من نفاذ القانون الجديد , والتصرفات التي أجراها في ظل القانون القديم أشخاصٌ كانوا قاصرين في ظله , تبقى باطلة أو قابلة للإبطال رغم اعتبارهم راشدين ابتداءً من وقت نفاذ القانون الجديد .
وهذا الحل الذي تبناه المشرع السوري يشكل تطبيقاً صريحاً لمبدأ عدم رجعية القوانين .لاحظ أن المشرع من حيث تصرفات الأشخاص اخذ بمبدأ عدم رجعية القوانين أما من حيث مركز الأشخاص فقد اخذ بمبدأ الأثر المباشر.
تنص المادة /8/ من القانون المدني على أن : " 1-تسري النصوص الجديدة المتعلقة بالتقادم من وقت العمل بها على كل تقادم لم يكتمل – 2- على أن النصوص القديمة هي التي تسري على المسائل الخاصة لبدأ التقادم ووقفه , وانقطاعه , وذلك عن المدة السابقة على العمل بالنصوص الجديدة " .
وتنص المادة /9/ من القانون المدني على أنه : " 1-إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر مما قرره النص القديم سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد , ولو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك -2- أما إذا كان الباقي من المدة التي نص عليها القانون القديم أقصر من المدة التي قررها النص الجديد , فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي " .
يتضح من المادتين السابقتين أنهما قد تناولتا مسألتين تتعلقان بالتقادم , المسألة الأولى خاصة بمدة التقادم , أما المسألة الثانية فتتعلقببدء التقادم ووقفه وانقطاعه .
وهو ما سنبحثه فيما يلي :
وفقاً لأحكام الفقرة الأولى من المادة الثامنة إذا اكتملت مدة التقادم في ظل القانون القديم وقبل نفاذ القانون الجديد الذي يعدل من أحكامه فإن القانون الجديد لا يسري على هذا التقادم سواء كان تقادما ً مكسباً أو مسقطاً .
أما إذا أصبح القانون الجديد نافذاً قبل أن تكتمل مدة التقادم وفقاً للقانون القديم , ففي هذه الحالة لا بد من التفريق بين فرضين اثنين :
الفرض الأول : إذا قرر القانون الجديد مدة أطول للتقادم: في هذه الحالة لا يكتمل التقادم إلا بانقضاء هذه المدة عملاً بمبدأ الأثر المباشر للقانون الجديد ..
فإذا كانت مدة التقادم خمس عشرة سنة ومضى منها في ظل القانون القديم عشر سنوات , ثم صدر قانون جديد يطيل مدة التقادم إلى عشرين سنة, فلا يتم التقادم إلا بعد مضي عشر سنوات أخرى .
أي حتى تكتمل مدة التقادم المحددة في ظل القانون الجديد وهي عشرون سنة .
ويلاحظ هنا أن المدة التي انقضت من التقادم في ظل القانون القديم تدخل في الحساب .
الفرض الثاني : إذا قرر القانون الجديد مدة أقصر للتقادم كما لو كانت مدة التقادم في ظل القانون القديم خمس عشرة سنة ثم صدر بعد بدئها قانون جديد يجعل مدة التقادم خمس سنوات فإن المدة الجديدة هي التي يجب تطبيقها وفقاً للفقرة الأولى من المادة التاسعة, شريطة أن يكون الباقي من المدة القديمة أطول من المدة الجديدة بأكملها .
وفي هذه الحالة يبدأ سريان مدة التقادم من تاريخ نفاذ القانون الجديد .
أو بمعنى آخر فإن المدة التي انقضت من التقادم في ظل القانون القديم لا تدخل في الحساب .
أما إذا كانت المدة الباقية من التقادم في ظل القانون القديم أقصر من المدة التي قررها القانون الجديد , يستمر التقادم إلى أن تنتهي مدته وفقاً للقانون القديم .
وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة التاسعة المشار إليها .
فإذا كانت مدة التقدم وفقاً للقانون القديم خمس عشرة سنة , وبعد مضي ثلاث عشرة سنة صدر قانون جديد يقصر مدة التقادم إلى خمس سنوات , فإن الباقي من المدة في ظل القانون القديم سنتان فقط وهي أقصر من المدة التي قررها القانون الجديد فيتم التقادم بانقضاء هذا الباقي .
وهنا يمكن القول : إن المشرع السوري أخذ بمبدأ امتداد سريان القانون القديم.
ملاحظة: نطبق دائما المدة الأقصر
بالنسبة لمبدأ التقادم فإنه يخضع دائماً للقانون القديم ويلاحظ أن هذا الحكم أن هذا الحكم أخذ به المشرع المصري وهو مقرر أيضاً في المادة /2281/ من القانون المدني الفرنسي .
أما بالنسبة لوقف التقادم وانقطاعه فيخضع للقانون الذي يقع في ظله .
نصت المادة /10/ من القانون المدني على أن : " تسري في شأن الأدلة التي تعد مقدماً النصوص المعمول بها في الوقت الذي أعد فيه الدليل أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعداده " .
يقصد بالأدلة التي تعد مقدماً , أي أدلة الإثبات التي يجري إعدادها أو تهيئتها بشكل مسبق قبل وقوع أي خصومة أو نزاع قضائي .
مثال كالأدلة الكتابية سواء كانت عرفية أو رسمية .
كما لو قام المدين بتحرير سند بمبلغ الدين إلى دائنه .
ففي هذه الحالة فإن القانون الواجب التطبيق على شروط هذا السند وصحته , وما أشبه ذلك , هو القانون النافذ وقفت إعداد هذا السند , أي حين تحريره , أو في الوقت الذي كان يجب إعداده فيه.
أما بقية أدلة الإثبات التي يجري إعدادها أثناء النظر في النزاع , أي أثناء سير الدعوى كالشهادة والإقرار واليمين والقرائن القضائية ... إلخ .
فتخضع للقانون النافذ أثناء سير الدعوى وموقف الشرع السوري في هذه الحالة يعد تطبيقاً لمبدأ عدم رجعية القوانين .
اكتب تعليق