امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة

وردت القاعدة العامة في امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة في نصين : أحدهما جاء في القانون المدني ، و الآخر في مرسوم تشريعي لاحق . 
و هذا النصان هما : 
أ ) ـ نص المادة 1118 من القانون المدني التي تقول : 
« 1 ـ المبالغ المستحقة للخزانة العامة من ضرائب و رسوم و حقوق أخرى من أي نوع كان ، يكون لها امتياز بالشروط المقررة في القوانين و القرارات الصادرة في هذا الشأن . 
2 ـ و تستوفى هذه المبالغ من ثمن الأموال المثقلة بهذا الامتياز في أية يد كانت ، قبل أي حق آخر ، و لو كان ممتازاً أو مضموناً برهن ، عدا المصروفات القضائية » . 
ب ) ـ و ينص المرسوم التشريعي رقم 70 لعام 1949 على ما يلي : 
«تعتبر مطالب الدولة أياً كان مصدرها أو نوعها من الديون الممتازة ، وتحصل قبل أي حق آخر من المدين الأصيل أو من كفيله ، أو من الأشــخاص الثالثين واضعي اليد ، وفقاً لقانون جباية الأموال العامة » . 
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن حقوق الدولة تسقط بالتقادم الطويل في حالات عديدة . 


مبنى الامتياز والغرض منه :

تشكل المبالغ المستحقة للخزانة العامة أو للدولة بشكل عام جزءاً هاماً من مواردها المالية , التي من خلالها تقوم بنشاطها الاقتصادي والاجتماعي وغير ذلك . 
ومن أجل المحافظة على هذه النشاطات كان لابد من إعطاء الدولة إمكانية استيفاء ديونها بشكل ممتاز ومتقدم على العديد من الدائنين , نظراً لما تشكله هذه المبالغ من وسائل ضرورية لاستمرارية الدولة بجميع مرافقها . 
لذلك منح المشرع الدولة هذا الامتياز , والرهن التأمين الجبري , والحق في الحبس في حالات خاصة جداً . 
وقد أكد المشرع السوري في أحيان عديدة على أهمية تحصيل ديون الدولة , من خلال منحها إمكانية اللجوء لإجراءات الحجز الإداري . كما جاء في قانون جباية الموال العامة رقم 341 لعام 1956 , وكما ورد في قانون الجمعيات التعاونية الزراعية رقم 143 لعام 1970. 
وكذلك قضى المرسوم التشريعي رقم 105 لعام 1953 بمنح الدولة الحق في حبس مدينها في حالة عدم سداده للرسوم والنفقات القضائية المستحقة لها . 


الديون التي يضمنها الامتياز :

في الأصل لم تكن ديون الدولة ممتازة , بدليل أن المادة 1118 من القانون المدني لم تحدد هذه الديون الممتازة , وإنما أحالت الأمر إلى القوانين والقرارات ذات الصلة التي تمنح بعض ديون الدولة امتيازاً ما . 
ويصح القول أيضاً أن ديون الدولة الممتازة كانت تقتصر على تلك التي تترتب للدولة نتيجة لنشاطها العام , أي باعتبارها صاحبة السيادة والشخصية الاعتبارية العامة الأولى في المجتمع . بينما لم يكن لديون الدولة الناشئة عن نشاطها الخاص , أي عندما تتعامل مع الأفراد كواحد منهم , أي امتياز , وهذه هي الحال في عقود البيع أو الإيجار التي تبرمها الدولة مع الأفراد . 
لكن المشرع السوري , الذي لم يؤكد في القانون المدني على امتياز كافة ديون الدولة سواء تلك الناشئة عن نشاطها العام أو الخاص , لم يمنع صدور مرسوم تشريع لاحق لصدور القانون المدني برقم 70 تاريخ 19/10/1949 , الذي نص في مادته الأولى على أنه :
 " تعتبر مطاليب الدولة أياً كان مصدرها أو نوعها من الديون الممتازة , وتحصل قبل أي حق آخر من المدين الأصيل أو من كفيله أو من الأشخاص الثالثين واضعي اليد , وفقاً لقانون جباية الأموال العامة " .
وبذلك أصبح الأصل في ديون الدولة جميعها أنها ديون ممتازة , سواء تعلقت بنشاطها العام أو الخاص . 


وفي الواقع لم يكن التوسع في منح الامتياز لضمان ديون الدولة في نشاطها الخاص موفقاً في التشريع السوري , وقد واجه انتقادات عديدة .
هذا مع العلم أن المشرع المصري لم يمنح الدولة امتيازاً إلا لضمان ديونها التي استحقت بوصفها صاحبه ولاية , فديون الدولة الناشئة عن نشاطها الخاص ليست أولى بالحماية والرعاية من ديون الأفراد . 
ويبقى تحديد وعاء الامتياز المقرر للدولة من اختصاص القانون أو القرار الصادر باعتبار الحق ممتازاً . وقد جاء في كتاب لوزير العدل بهذا الخصوص موجهاً إلى وزارة المالية ما يلي :
 "كانت القاعدة المتبعة بموجب المادة 1118 من القانون المدني أن الامتياز المقرر فيها لمبالغ الدولة مقصور على تلك التي تستحق للدولة أو أي شخص من أشخاص القانون العام بوصفه سلطة عامة , لذا لم يكن نصها يشمل ما يستحق للدولة في نطاق نشاطها الخاص , وكانت تطبق على حقوقها المستحقة في نطاق هذا النشاط القواعد العامة بدون أية أفضلية . 
غير أنه بعد صدور المرسوم التشريعي رقم 70 تاريخ 19/10/1949 وهو تاريخ لاحق لتاريخ نفاذ القانون المدني جاء النص موسعاً لنطاق المبالغ المستحقة للخزانة العامة , إذ لم يعد يفرق بين حقوق الدولة الناشئة عن ممارسة السلطة العامة وبين حقوقها الناشئة عن ممارسة نشاطها الخاص , و بتعبير آخر بين ديونها كسلطة عامة وديونها كشخص اعتباري عادي " . 
هذا , ولم ينص المرسوم التشريعي رقم 70 لعام 1949 المذكور على أي إعفاء لامتياز الدولة من التسجيل إذا ورد على عقار , مما يجب معه الرجوع إلى القواعد العامة . وقد قضت هذه القواعد بتطبيق قواعد الرهن والتأمين العقاريين إذا وقع الامتياز على عقار , وبأن الحقوق العينية العقارية تكتسب و تنتقل بتسجيلها في السجل العقاري . 
وما يؤيد وجهة للنظر المتقدمة أن المشرع نفسه أعفى بعض امتيازات الدولة الواقعة على عقار من التسجيل . 


وعاء امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة

امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة :

تارة يكون امتيازاً عاماً يثقل جميع أموال المدين من منقولات وعقارات , 
وتارة يكون امتيازاً عاماً يثقل منقولات المدين فقط , 
وتارة يكون امتيازاً خاصاً على العقار وإيراده أو امتيازاً خاصاً على منقول .
لذلك هناك أحكام خاصة بكل امتياز من الامتيازات المقررة للدولة بحسب تخصيص الامتياز أو عموميته . 


أولاً- الامتيازات العامة التي تثقل كافة أموال المدين :

من الامتيازات العامة التي تثقل كافة أموال المدين نجد الامتيازات التالية : 
أ- امتياز المبالغ المستحقة للمصرف الزراعي . 
ب- امتياز ديون المصرف الزراعي التعاوني .
ج- امتياز الديون الزراعية الممنوحة من المصارف .
د- امتياز المبالغ المستحقة للمصرف العقاري .
هـ- امتياز المبالغ المستحقة لمؤسسات التأمينات الاجتماعية .
و- امتياز الرسوم المذكورة في المادة 44 من قانون تحديد وتحرير العقارات :


والدين المحدد بالمادة 44 من القرار رقم 186 تاريخ 15/3/1926 المتضمن نظام التحرير والتحديد هو :
بدل مثل حق الملكية أو حق التصرف الذي يقيد باسم واضع اليد على أرض ملك أو أرض أميرية , لمدة تقل عن المدة القانونية لتملك هذا الحق بمرور الزمن .
أو بدل المثل المترتب للدولة بذمة صاحب العقار عن المساحة الزائدة عن المساحة المذكورة في سند ملكيته , وذلك في حالة إحرازه العقار على أساس الوحدة المساحية , كالذراع أو الدونم .
أو بدل المثل المتوجب للدولة بذمة صاحب العقار عن المساحة التي يكتسبها من الأملاك العامة المحاذية لعقاره من جراء عدم وجود تخوم . 

ويرد هذا الامتياز على العقار المسجل على اسم صاحب العلاقة , أو المستفيد من المساحة الزائدة أو المأخوذة من الأملاك العامة. 
ز- امتياز الرسوم ونفقات نقل الملكية والغرامات التي تفرض على البيانات الكاذبة المتعلقة بثمن المبيع : 
يحق للإدارة ملاحقة المكلفين بدفع هذه الرسوم إذا ما قاموا بإخفاء القيم الحقيقة لعمليات نقل الملكية العقارية وإعطائهم قيم أقل من القيم الحقيقية لهذه العمليات . 
حيث للإدارة أن تقيم دعوى مستعجلة أمام قاضي الصلح للنظر في الوثائق التي قدمها المكلفون , فإن ثبت أن البدل الحقيقي أكبر مما تم الإعلان عنه فيحكم عندئذ على هؤلاء المكلفين بدفع الفرق , إضافة إلى غرامة تعادل ثلاثة أمثال هذا الفرق . 
ح – امتياز المبالغ المستحقة للجمعيات التعاونية .
وتتمتع هذه المبالغ المستحقة للخزانة العامة بالامتياز وتعفى من التسجيل في السجل العقاري . 


ثانياً- الامتياز العام الذي يقع على أموال المدين المنقولة :

في السابق كان هذا الامتياز يتعلق برسوم الجمارك وفقاً للمادة 350 من القرار 137 ل.ر تاريخ 15/6/1935 .
لكن بعد صدور قانون الجمارك رقم 9 لعام 1975 , والذي تم تعديله بالمرسوم التشريعي رقم 5 لعام 1983 , فقد تحول امتياز الجمارك من امتياز عام على منقولات المكلف بالرسوم والمبالغ المستحقة لهذه الإدارة إلى امتياز عام على كافة أموال المدين سواء المنقولة أو العقارية .
ولا يعفى امتياز الجمارك من التسجيل على عقارات المدين .


ثالثاً- الامتيازات الخاصة الوقعة على منقول :

تتعلق هذه الامتيازات بشكل خاص بالرسوم المقررة على المركبات . 
وهذا الامتياز يتقدم على كافة الديون والامتيازات الأخرى التي قد تكون مترتبة على المركبة , بما فيها امتياز بائع المركبة . 


رابعاً- الامتيازات الخاصة الواقعة على عقار :

هناك العديد من هذه الامتيازات , نذكر منها : 
أ- امتياز ضريبة ريع العقارات والعرصات . 
ب- امتياز الضريبة المفروضة على نصيب الوارث فيما يتعلق بالعقارات :
وجدير بالذكر أن دار سكن عائلة المورث تعفى من الرسوم والضرائب إذا لم يكن في التركة دار أخرى , وإذا كانت التركة تحوي أكثر من دار سكن لعائلة المورث , فيترك للورثة حق اختيار الدار التي يرغبون بشملها في الإعفاء . 
وفي حال عدم اختيار الورثة لدار السكن المذكورة وإبلاغ الدائرة المالية المختصة عند تقديم البيان ضمن المهلة القانونية فيطبق هذا الإعفاء على دار السكن الأعلى قيمة " . 
ج- امتياز رسوم الري .
د- امتياز رسوم التحسين العقاري و رسوم المعاملات العقارية .
هـ- امتياز بدلات المبالغ المستحقة للمؤسسة العامة للإسكان .


رتبة امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة

الأصل في حقوق الامتياز المقررة للخزانة العامة وجوب تسجيلها عندما تقع على عقارات المدين , على اعتبارها حقاً عينياً عقارياً واجب التسجيل بمقتضى نص المادة 825 /1 من القانون المدني . 
وقد أكدت محكمة النقض على هذا الأصل . 
وقد تعامل المشرع السوري مع هذه الامتيازات كما تعامل مع الامتيازات الخاصة العقارية الأخرى المقررة للأفراد , من ناحية وجوب تسجيلها على صحيفة عقار المدين , بحيث يكون التعامل المالي مع هذا الأخير واضحاً ويبعد دائنيه عن خطر المفاجأة بوجود حقوق عليه غير منظورة . 
لكن المشرع خرج عن هذا الأصل في مجالات عديدة , فقد أعفى من التسجيل في نص المادة 1113 من القانون المدني الامتيازات التالية : 
1- امتياز الرسوم المذكورة في المادة 44 من القرار رقم 186 لعام 1926 المتضمن نظام التحرير والتحديد . 
2- امتياز الرسوم ونفقات نقل الملكية , والغرامات التي تفرض على البيانات الكاذبة المتعلقة بثمن البيع . 
كذلك فقد خرج المشرع عن هذا الأصل في مجالات أخرى خارج نطاق القانون المدني , فقد أعفى كذلك من التسجيل الامتيازات التالية : 
1- امتياز ضريبة ريع العقارات والعرصات . 
2- امتياز ضريبة التركات . 
3- امتياز رسوم الري . 
4- امتياز رسوم التحسين العقاري و رسوم المعاملات العقارية . 
وغني عن القول أن المرسوم التشريعي رقم70 لعام 1949 خرج على القاعدة القاضية بوجوب تسجيل امتياز الخزانة العامة , ولم يعتبر التسجيل شرطاً لترتيب آثار الامتياز , فالامتياز يسري في مواجهة الغير دون حاجة إلى تسجيله , سواء أكان هذا الامتياز خاصاً على عقار معين , أم كان امتيازاً عاماً واقعاً على جميع أموال المدين . 
ويعود السبب في إعفاء امتياز الخزانة العامة من التسجيل إلى أن صاحب المصلحة يمكنه أن يعرف ما يستحق للدولة بالالتجاء إلى الدوائر الإدارية المختصة , ويستطيع بالتالي أن يكون على دراية تامة من حالة المدين المالية . 


آثار امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة

كما في كل امتياز أو حق عيني تبعي على العقار , فإن امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة يخول الدولة صاحبة هذه المبالغ مزيتي التقدم والتتبع ما دام الدين قائماً ولم يسقط بالتقادم . وفي هذا قضت محكمة النقض بأنه : " لا تسقط حقوق الدولة من ضرائب و رسوم وأموال عامة إلا بالتقادم الطويل " . 


1- مزية التقدم :

فيما لو وقع امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة على منقول فيأتي ترتيبه بعد المصروفات القضائية مباشرة وقبل أية ديون أخرى . 
وفيما لو تزاحمت ديون الخزانة العامة فيما بينها فتستوفى بنسبة قيمة كل منها . 
أما إذا وقع امتياز المبالغ المستحقة للخزانة العامة على عقار , وكان واجب التسجيل , فإنه يأخذ رتبته عندئذ بحسب تاريخ قيده في السجل العقاري , كما هي عليه الحال بالنسبة لحقوق الامتياز الخاصة العقارية وكل من الرهن الحيازي والتأمين العقاري . 
وإذا حصل التزاحم بين ديون الخزانة العامة ودين آخر مضمون برهن حيازي على المنقول , فتكون الأولوية عندئذ للدائن المرتهن إذا كان حسن النية , بينما لو كان الدائن المرتهن سيئ النية فإن الدولة تتقدم بامتيازها عليه . 


2- مزية التتبع :

لقد منح المشرع السوري الدولة حق التتبع عندما ينتقل المال المثقل بامتيازها إلى يد أخرى غير يد المدين الأصلي . 
لكن في هذه الحالة لابد من التفريق فيما إذا كان الامتياز المقرر للخزانة العامة امتيازاً عقارياً خاصاً , أو امتيازاً منقولاً خاصاً , أو امتيازاً عاماً :

أ- عندما يكون امتيازاً عقارياً خاصاً على عقار معين بالذات :
في هذه الحال تكون مزية التتبع واجبة التطبيق بغض النظر عن كون الامتياز واجب التسجيل أم معفى منه . 
ب- عندما يكون امتيازاً خاصاً على منقول معين بالذات :
في هذه الحال كما في الحالة السابقة , فإن مزية التتبع لا تتأثر ويمكن للدولة تتبع المنقول محل امتيازها في أية يد يكون .
لكن ربما تصطدم الدولة , عند متابعتها للمنقول , بحائز حسن النية , فتتعطل بذلك مزية التتبع , حيث يمكن لهذا الحائز التمسك عندئذ بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز . 
ج- عندما يكون امتيازاً عاماً يثقل كافة أموال المدين المنقولة و العقارية : 
تكون مزية التتبع كما في الحالتين السابقتين , من ناحية كون المال المثقل بالامتياز عقاراً أو منقولاً , مع احتمال تعطيل هذه المزية بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز عندما يكون حائز المنقول المثقل بالامتياز حسن النية . 

  • عدد المشاهدات : 19746



اكتب تعليق

جميع حقوق النشر محفوظة 2024
Created by: Turn Point