كان للعرف قديما أهمية كبرى كمصدر رئيسي للقواعد القانونية ، فقد كان هو المصدر الوحيد للقانون في الجماعات البدائية قبل نشوء الدولة , حيث اضطر الأفراد تحت ضغط الحاجات والظروف ، ونظرا لعدم وجود مشرع يضع أحكام القانونوينظم الروابط الاجتماعية إلى إيجاد قواعد يخضع لها الكافة ، كضوابط لتنظيم علاقاتهم .
فالعرف هو أقدم مصادر القانون ، وكان يعهد بتطبيقه إلى محكمين يختارهم الخصوم , ثم أخذ السلطان أو الحاكم ينشىء محاكم تطبق العرف ، وانتهـــى الأمر بأن أصبح هو ينشىء قواعد قانونية عن طريق الأوامر التي يصدرها للرعية ، ومن هذه اللحظة أخذ العرف ينكمش تدريجيا ليترك المجال للتشريع الذي استقرت له الغلبة .
و على هذا النحو يبدو أن العرف كانت له فيما مضى أهمية قصوى كمصدر رسمي للقواعد القانونية , حتى أن التقنينات الأولى كشريعة حمورابي وتقنين الألواح الإثني عشر ، لم تكن في جملتها الا مجرد جمع للقواعد العرفية المعمول بها .
إن العرف و إن كان قد تقلص دوره كمصدر رسمي للقواعد القانونية في معظم دول العالم اليوم , فلا زالت له أهمية باعتباره مصدرا ماديا أو تاريخيا لكثير من القواعد القانونية , ذلك أن المشرع عند وضعه للنصوص المختلفة كثيراً ما يستلهم العرف السائد الذي يتوافق مع حاجات الجماعة ويعبر تماما عن رغبتها ، وبذلك يصبح العرف هو المصدر التاريخي أو المادي لكثير من النصوص التشريعية.
إذن فالعرف مصدر للقواعد القانونية , و إن كانت أهميته كمصدر رسمي قد أصبحت ضئيلة في الوقت الحاضر , و لذلك نرى ضرورة دراسته كمحور هام من محاور النظرية العامة للقانون , وعليه نرى تقسيم هذا البحث إلى مطالب أربعة هي :
المطلب الأول : مفهوم العرف .
المطلب الثاني : أركان العرف .
المطلب الثالث : أساس القوة الملزمة للعرف .
المطلب الرابع : منزلة العرف في النظام القانوني السوري .
يختلف منشأ العرف عن منشأ التشريع ، فهو يتكون من الاستعمال المتكرر و المستمر بشكل اعتيادي في موضوع معين , بحيث يتعذر غالبا معرفة مبدئه أو معرفة الهيئة أو الشخص الذي أوجده ، حيث ينشا ببطء خلال زمن طويل و بشكل لا يشعر الناس إلا و قد أصبح متأصلا فيهم قائما في وسطهم الاجتماعي ,كما يشـعرون أن احترامه و تطبيقه أصبح واجبا غير متنازع فيه ، دون سلطان أو إرادة عليا تفرضه.
من هنا يرى بعض الفقهاء بان القوانين العرفية هي قوانين شعبية تتشكل من تعامل الشعب و استعماله ، و تنبثق من طبيعة العلاقات الاجتماعية و الحياة الشعبية , بخلاف التشريع الذي هو وليد عمل تشريعي و عقل مفكر قام بخلقه و فرضه بإرادته .
و من هنا يقابل بعض الفقهاء بين العرف و التشريع , فيرون أن كلا منهما يعتبر قاعدة قانونية ملزمة إلا إنهما يختلفان من حيث أن :
التشريع هو قاعدة قانونية مكتوبة أوجدها المشرع .
أما العرف فهو قاعدة قانونية غير مكتوبة أوجدها تعامل الناس اللاشعوري واطراد سلوكهم في مسألة معينة على وجه مخصوص .
لكن الاقتصار في تعريف العرف على أنه قانون غير مكتوب قد لا يكون كافيا للوقوف على الخصائص الذاتية للعرف . فإذا كان هذا التعريف كافيا لتمييز العرف عن التشريع ، فانه غير كاف لبيان أوجه الاختلاف بين العرف وبين غيره من مصادر القانون الأخرى .
لذلك يمكن تعريف العرف بأنه :
مجموعة القواعد التي تنشأ عن اعتياد الناس على اتباع سنة معينة , في مسألة محددة , فترة من الزمن , مع شعورهم بإلزامها قانوناً .
بالرغم من أن العرف يعتبر أحد المصادر الرسمية للقانون فان دوره يتفاوت تفاوتاً بيناً وملحوظاً في نطاق تطبيقه بين مختلف الفروع , على النحو الأتي :
1 ـ في القانون الجزائي :
لا مجال لتطبيق العرف في القانون الجزائي , نظراً لان للمشرع وحده حق تجريم الأفعال وفرض العقوبات , عملا بالقاعدة التي تقضي بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص تشريعي .
و بالتالي عند خلو التشريع من نص يقضي بتجريم فعل والعقاب عليه لا يكون أمام القاضي إلا تبرئة المتهم دون أن يملك حق اللجوء إلى العرف لسد نقص التشريع ، وبالتالي تجريم الفعل المرتكب.
و تحرص عادة بعض الدساتير على النص صراحة على هذا المبدأ ، كالمادة /29 / من الدستور السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (208 ) لعام 1973 التي تنص على أنه :
" لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني ".
2 ـ في القانون الإداري :
يلعب العرف دورا بارزاً كمصدر من المصادر الرسمية للقانون الاداري , فهو بالإضافة لكونه المصدر التاريخي للعديد من القواعد الإدارية , فانه يكمل أيضا النقص في حال عدم كفاية التشريعات و اللوائح الادارية .
فهو قاعدة قانونية غير مكتوبة جرت السلطة الإدارية على اتباعها في مباشرتها لوظيفتها بصدد حالة معينة فترة من الزمن بحيث تصبح الإدارة و المتعاملين معها ملتزمين باحترامها .
3- في القانون المدني :
يعتبر العرف وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة الاولى من القانون المدني مصدراً من المصادر الرسمية للقانون ، لكن بالرغم من ذلك فان دوره في نطاق القانون المدني يتسم بالضعف , نظراً لاتساع نطاق النصوص التشريعية المدنية التي تتصف بالإحاطة و الشمول ، لكن هذا لا ينفي وجوده و أهميته في حسم العديد من النزاعات ذات الطابع المدني .
4- في القانون التجاري :
يبدو أن أثر العرف في نطاق القانون التجاري أكثر شمولية و تنوعاً مما عليه في بقية فروع القانون ، و لاسيما أن طبيعة الحياة التجارية تتطلب شيئا من المرونة و السهولة و تعتمد على عنصر السرعة و الثقة و الائتمان .
و من ثم نرى أن القانون التجاري يترك الكثير من الأمور ليتم تنظيمها بالاستناد إلى ما ينشأ بين فئة التجار من عادات يقوم على أساسها عرف التعامل في هذا الميدان .
5- في القانون الدولي العام :
و هو القانون الذي يحكم العلاقات بين الدول , سواء في فترة الحرب أو السلم ، أو في حالة الحياد ، و يلعب العرف دوراً أساسيا كمصدر من المصادر الرئيسية للقانون الدولي .
6- في القانون الدستوري :
يختلف دور العرف من دولة إلى أخرى , ففي المملكة المتحدة ( بريطانيا ) يعتبر العرف المصدر الأساسي للقانون الدستوري ، أما في بقية الدول و التي تعتمد على الدساتير المكتوبة فيتضاءل دور العرف .
أ-ينشأ العرف بطريق التعامل التدريجي بين الناس على سلوك معين بصدد مسألة معينة مع الشعور بإلزاميته , فهو لا يوضع من قبل هيئة تفرض إرادتها , بل تتكون قواعده عبر الزمن بصورة تلقائية باعتبارها منبثقة عن المجتمع ذاته .
ب-يمتاز العرف أيضا بالعفوية و التلقائية و تطور قواعده ، فطالما أن القواعد العرفية لا تأتي في قوالب مكتوبة , فهي قواعد يشحذها ويطورها التعامل الحي في نطاق الجماعة , مما يجعلها أكثر مسايرة لطبيعة التعامل بين الأفراد , فتتطور القواعد العرفية بتطور أحوال الجماعة وتتغير بتغيرها .
ج ـيلعب العرف دورا مهما في سد الثغرات التي تتضمنها أحكام التشريع ، إذ من المعروف أن التنظيم الكلي لمختلف الروابط داخل الجماعة أمر يستعصي على التشريع مهما بلغ من الدقة والإحاطة ، فيبرز هنا دور العرف في تنظيممسائل لم يتعرض لها التشريع , فيسد بذلك نواحي النقص في القانون المكتوب , أي في التشريع.
على الرغم مما للعرف من مزايا فانه يثير الكثير من العيوب هي :
أ ـ العرف بطيء في تطوره : وهو إذا اسـتقر صعب التخلص منه إلا بعد مضي مدة من الزمن ، و ذلك رغم تغير الظروف التي أدت إلى نشوئه ، وفي خلال هذه المدة يصبح العرف غير متفق مع حاجات الجماعة .
ب ـكثيرا ما يختلف العرف في نطاق الدولة الواحدة باختلاف أجزائها المختلفة : مما يؤدي إلى اختلاف القواعد التي تحكم نوعاً واحداً من الرابط الاجتماعية داخل الدولة , و هذا يمهد السبيل لاختلاف القواعد القانونية في جميع أجزاء الدولة .
ج ـ صعوبة معرفة مضمونة : تثير مسألة عدم صياغة القواعد العرفية في نصوص مكتوبة العديد من الصعوبات , سواء تعلق الأمر ببيان ماهيتها ، أو تعلق الأمر بمعرفة متى يبدأ سريانها أو متى ينتهي العمل بها . وهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى قيام منازعات في شأنه .
لكن لابد من الإشارة إلى أنه بالرغم من هذه العيوب التي قد تضعف أحيانا من قيمة العرف كمصدر من مصادر القانون ، إلا أن ذلك لا يعني أنه يمكن الاستغناء عنه ،بل نحن بحاجة إليه باستمرار للمساعدة في تنظيم السلوك الاجتماعي إلى جانب التشريع والمصادر الأخرى للقانون .
و من أمثلة القواعد العرفية : "البقشيش" أو ما يسمى بالوهبة في الفنادق والمطاعم .
يتكون العرف تدريجيا ببطء ، فأذا اتبع شخصان قاعدة ما لتنظيم رابطة اجتماعية بينهما ، وظهرت صلاحية هذه القاعدة وعدالتها ومطابقتها للظروف و رغبة الجماعة ، نرى الآخرين يتبعون نفس القاعدة ، مدفوعين في هذا بغيرة التقليد واتباع المألوف ، ثم يعم استعمال هذه القاعدة بين الناس و يطرد ويثبت ، و يتوارثها جيلا بعد جيل ، ويتولد الشعور بضرورة احترامها وتوقيع الجزاء على من يخالفها .
على هذا النحو يتكون العرف من ركنين اثنين :
أولهما ركن مادي : وهو العادة أو الاعتياد .
والثاني ركن معنوي : وهو الشعور بالإلزام .
الركن المادي هو الاعتياد المستمر طويل الأمد , بمعنى أن هذا الاعتياد لا يتحقق إلا باضطراد العمل به و تواتره بمعزل عن أي تدخل من السلطة السياسية أو التشريعية في الدولة .
و بالتالي فان هذه العادة تنشأ من خلال التعامل في الجماعة بشكل تلقائي وعفوي بحيث يجد الناسبموجبها حكماً معيناً ، أو حلاً لمشكلة قانونية معينة لا يوجد فيها نص قانوني معين في زمن معين .
فإذا تواترت هذه القاعدة واضطرد العمل بها في نطاق الجماعة تكون عندئذ الركن المادي للعرف نتيجة هذا الاعتياد المتكرر و المستمر والثابت من قبل أفراد الجماعة .
و يعتبر إثبات توافر الركن المادي من قبل قاضي الموضوع من المسائل الموضوعية أو الواقعية التي لا تخضع لرقابة محكمة النقض .
1 ـ أن يكون عاما :
طالما أن العرف ينشئ قواعد قانونية شأنه في ذلك شأن التشريع ، فلا بد من أن تتوافر صفة العمومية والتجريد في قواعده ، بمعنى أن يكون العرف منتشرا على نطاق واسع في الوسـط
الاجتماعي أو المهني .
و ليس ضروريا أن يكون العرف شاملا جميع أفراد المجتمع , بل يكفي أن ينتشر في فئة محدودة أو منطقة معينة , باعتبار أنه ممكن أن تنشأ أعراف مهنية أو محلية , و هذا هو الشأن بالنسبة للأعراف التي تنشأ بين فئة التجار .
بل قد ينشأ العرف من تعود شخص واحد غير معين بذاته على إتباع سنة معينة في مسألة محددة ، كما لو اعتاد رئيس الدولة على إصدار قرارات من نوع خاص في مسألة محددة ، إذ قد يترتب على هذا أن تتكون قاعدة عرفية تخول رئيس الدولة إصدار مثل تلك القرارات .
و تقدير ما إذا كان العرف عاما أو غير عام مسألة موضوعية متروكة لتقدير قاضي الموضوع ، وليس لمحكمة النقض رقابة عليه بشأنها .
2 ـ أن يكون قديما :
بمعنى أن يتواتر العملبه مدة طويلة من الزمن ، تكفي لتأكيد ثباته واستقراره في نفوس الناس .
و الواقع أنه لا يمكن أن تحدد بصورة مسـبقة المدة اللازمة لتكوين العرف برقم محدد و ثابت ، ولذلك يبقى الأمر متروكا لتقدير قاضي الموضوع ليقدر ـ حسب الظروف ـ فيما إذا كانت المدة التي استمر عليها السلوك كافية لاعتباره قاعدة قانونية عرفية ، ولا رقابة عليه في هذا الشأن من محكمة النقض .
3 ـ أن يكون مستقراً :
بمعنى أن يتواتر الناس على العمل به بصورة منتظمة غير متقطعة . وبالتالي فهذا الانتظام والاستمرار هو الذي يضفي على العرف صفة الاستقرار .
وتقدير قيام هذا الشرط هو أيضا متروك لقاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك .
4 ـ أن لا يكون مخالفا النظام العام أو الآداب العامة :
الواقع أن هذا الشرطنظري ، إذ لا يتصور عملياً أن يستقر العرف و تتوفر له أركانه في حين أنه مخالف للنظام العام والآداب العامة, و لكن يمكن مع ذلك أن نتصور حدوث تطور في فكرة النظام العام , وهي كما عرفنا متغيرة من حيث الزمان والمكان , بحيث يصبح العرف الذي كان فيما مضى متفقاً مع النظام العام خارجاً عنه , و يترتب على ذلك عدم الاعتداد به , كعادة الأخذ بالثأر .
يلاحظ أن :
الشروط الثلاثة الاولى : العمومية والقدم والاستقرار : تعتبر من الأمور الموضوعية أو الواقعية التي يستقل في تقديرها قاضي الموضوع , و تقديرهفي ذلكتقدير مطلق لا يخضع لرقابة محكمة النقض .
أما الشرط الأخير , وهو عدم مخالفة العرف للنظام العام والآداب العامة , فيعتبر من المسائل القانونية التي يخضع فيها تقدير قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض .
لا يكفي اضطراد العمل و تواتره على قاعدة معينة لأن تصبح هذه القاعدة عرفاً , بل لا بد من توافر الركن المعنوي , أي شعور الأشخاص الذين يتبعون هذه القاعدة بأنها قاعدة واجبة الاحترام تماماً كما تحترم القاعدة القانونية .
أو بمعنى أخر شعور الأشخاص بأن هذه القاعدة ملزمة لهم قانوناً .
فالركن المعنوي هو الذي يحول الاعتياد المادي إلى قاعدة قانونية .
و لا يمكن أن تخلق قاعدة قانونية مصدرها العرف ـ مهما استقرت ـ إلا إذا توافر الشعور بأنها قاعدةقانونية ملزمة يجب احترامها و توقيع الجزاء على من يخالفها .
و على ذلك فتقديم الهدايا في بعض المناسبات كالزواج و أعياد الميلاد يمثل عادة قديمة و مستقرة و عامة, و مع ذلك لم تنشأ قاعدة قانونية ملزمة مصدرها العرف , لأن الثابت أن الناس يتبعونها لمجرد المجاملة دون أن يستقر في الأذهان الشعور بوجوب احترامها.
أشرنا إلى أن العرف هو مجموعة القواعد التي تنشأ عن اعتياد الناس على اتباع سنة معينة في مسالة محددة مع شعورهم بإلزامها قانوناً .
أما العادة الاتفاقية فهي تلك القاعدة التي تعارف الناس على اتباعها في تنفيذ عقودهم و تفسيرها دون أن يعتقدوا بأن لها قوة ملزمة بذاتها , كالعادة التي جرى عليها الناس في أكثر المدن في أن يتحمل المؤجر ثمن المياه التي يستهلكها المستأجر .
فالعادة عرف ناقص , لأنها يتوافر فيها الركن المادي للعرف – و هو كونها قديمة عامة مستقرة و غير مخالفة للنظام العام – دون الركن المعنوي الذي يتخلف فيها لعدم شعور الناس بضرورة احترامها .
فالعادة مجرد واقعة مادية تتبع دون أن تكون لها القوة على إلزام أي فرد بأحكامها , إلا إذا أراد الفرد هو نفسه أن يلتزم بها , شريطة أن تظهر هذه الإرادةبشكل صريح أو ضمني , فعندئذ لا يكون إلزام الفرد بها نتيجة وجودها كقاعدة قانونية لها قوة ذاتية ملزمة كالعرف , بل يكون الإلزام بها نتيجة قبول الفرد باتباعها بمحض إرادته و رضاه .
و يعني هذا أن القوة الملزمة للعادة لا تقوم على أساس القوة الذاتية الكامنة فيها ككل قاعدة قانونية , بل تقوم على أساس إرادة المتعاقدين و اتفاقهم على تنظيم علاقتهم وقفاً لها .
لذلك تسمى بالعادة الاتفاقية دلالة على أنها لا تطبق إلا إذا ثبت للقاضي أن المتعاقدين قصدا اتباع حكمها :
و قد يكون ذلك صراحة في العقد .
كما قد يكون ضمنياً , إذا اتضح من ظروف العقد و ملابساته أن قصد المتعاقدين قد انصرف إلى تطبيقها .
و يقصد من ظروف العقد مكانه و زمانه و الغرض منه و مركز المتعاقدين , إلى غير ذلك إلى من ملابسات العقد الخاصة .
فمثلاً إذا أجر شخص منزلاً للسكن , و كانت العادة قد جرت على أن المؤجر يدفع ثمن المياه , و كان المؤجر و المستأجر عالمين بهذه العادة , فإن حكمها يطبق عليهما ، و لو لم ينصا صراحة في عقد الإيجار على تطبيقها , و ذلك لأنه يفهم من ظروف الحال أن كلا منهما قد قصد ذلك .
و وفقا لما تقدم لا يجوز الأخذ بالعادة الاتفاقية إلا إذا اتجهت إليها إرادة الإفراد في تنظيم عقودهم و تفسيرها , سواء بشكل صريح أو بشكل ضمني , فإذا لم يتحقق ذلك فلا يمكن إلزام الأفراد بأحكامها .
تختلف العادة الاتفاقية عن القاعدة القانونية التكميلية من حيث أن :
العادة الاتفاقية لا تلزم المتعاقدين إلا إذا اتفقا على اتباعها إما صراحة أو ضمنا .
في حين أن القاعدة القانونية التكميلية أو المفسرة ملزمة للأفراد , و يجب تطبيقها عليهم ، إلا إذا اتفقوا على استبعاد حكمها . كالقاعدة التي تقضي بأن الثمن مستحق الوفاء في الوقت الذي يسلم فيه المبيع ( المادة425 ق.م.س ) .
فالقاعدة التكميلية هي إذا ملزمة و لا تحتاج إلى اتفاق الطرفين على اتباعها ، كل ما في الامر أن هذين الطرفين يستطيعان جعلها غير نافذة إذا اتفقا على خلافها .
فالفرق إذاً بتلخص بالآتي :
القاعدة القانونية المكملة واجبة الاتباع ما لم يتفق على استبعاد حكمها ، أما العادة الاتفاقية فهي غير ملزمة إلا إذا قصد الأفراد الأخذ بها صراحة أو ضمنا .
و يترتب على التمييز بين العرف و العادة الاتفاقية نتائج متعددة أهمها ما يلي :
1- يعتبر العرف قاعدة قانونية , لذلك يفترض العلم به كما يفترض العلم بأي قاعدة قانونية , و لا يقبل من أحد أن يحتج بجهله للعرف .
أما العادة الاتفاقية فهي واقعة مادية ترتكز في قوتها الإلزامية على إرادة المتعاقدين الصريحة أو الضمنية , و بالتالي يستطيع أحد المتعاقدين أو كلاهما الاحتجاج بالجهل بهذه العادة , و يكون هذا الاحتجاج سليماً و صحيحاً .
2- العرف باعتباره قاعدة قانونية لا يكلف الخصوم بإثباته , بل يفترض علم القاضي به و تطبيقه من تلقاء نفسه . بالرغم من أن القاضي قد يلجأ من الناحية العلمية إلى الاسترشاد بأهل
الخبرة و الاختصاص لمعرفته و الوقوف عليه لتحديد معناه و بيان حكمه .
أما العادة الاتفاقية فلا يفترض بالقاضي العلم بها , فيجب على الخصوم التمسك بها , و أن يقوم ذو المصلحة بإثباتها .
فعلى من يريد أن يتمسك بها أن يثبت أولاً وجود العادة الاتفاقية , ثم ينتقل بعد ذلك إلى إثبات انصراف إرادة المتعاقدين إلى الأخذ بأحكامها .
3- يخضع القاضي في تطبيقه للقاعدة العرفية لرقابة محكمة النقض , لأن القاعدة العرفية ليست إلا قاعدة قانونية , و يدخل في وظيفة محكمة النقض التثبت من صحة تطبيق قاضي الموضوع لها .
أما العادة الاتفاقية فهي مجرد واقعة مادية ، إذا أخطأ القاضي في تطبيقها إنما يخطئ في مجرد الوقائع لا في القانون , و لا يخضع بالتالي لرقابة محكمة النقض .
و يلاحظ أن المشرع كثيراً ما يحيل على حكم العادة الاتفاقية . و من أمثلة ذلك ما ورد في شأن تفسير العقد في الفقرة الثانية من القانون المدني حيث تنص على أنه :
" إذا كان هناك محل لتفسير العقد ، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ , مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل و بما ينبغي أن يتوافر من أمانة و ثقة بين المتعاقدين ، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات " .
كما تنص المادة 233 من القانون المدني على أنه :
" لا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد , ولا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال , و ذلك كله دون إخلال بالقواعد و العادات التجارية " .
و يلاحظ أن المشرع هنا قد خلط بين العرف و العادة فاستعمل لفظ عرف بدل لفظ العادة , و قد سلك هذا الموقف في نصوص تشريعية كثيرة .
كما يلاحظ أيضا أنه في الأحوال التي يحيل فيها التشريع على حكم العادة الاتفاقية ـ كما هو الحال في الأمثلة السابقة ـ تعتبر العادة الاتفاقية ملزمة ، و تستمد إلزامها من إحالة التشريع عليها ، و اشارته بوجوب تطبيقها و لو لم يثبت انصراف إرادة المتعاقدين إلى الأخذ بها , على أنه يجوز للأفراد مع ذلك الاتفاق على مخالفتها و استبعاد حكمها , و لذلك فهي لا تطبق إلا إذا لم يثبت أن المتعاقدين قد اتفقا على الخروج عليها .
من المسلم به أن للعرف قوة قانونية ملزمة ، عند استكمال ركنيه المادي و المعنوي , و قد تعددت المذاهب بشأن تحديد الأسـاس الذي يبنى عليه العرف كمصدر رسمي من مصادر القانون , و سنعرض فيما يلي لهذه المذاهب .
يتلاقى هذا الرأي مع المذهب الشكلي في تفسير أساس القانون , إذ يذهب أنصار هذا المذهب إلى اعتبار القانون وليد إرادة الدولة و مشيئتها ، حيث لا يتصور وجود قاعدة قانونية دون أن تستند إلى هذه الإرادة .
و وفقا لذلك فان أساس القوة الملزمة للعرف يتجلى في كفالة الدولة له و تأييده له بقوتها المادية إذا اقتضى الأمر .
و طالما أن المشرع رضي قيام العرف و تطبيقه فإن مجرد هذا الرضا يؤدي إلى اعتبار العرف ملزماً , لأنه يعتبر صادراً عن الإرادة الضمنية للمشرع , كما يصدر التشريع معبراً عن الإرادة الصريحة له .
أو بمعنى آخر ، طالما أن المشرع لم يعترض على القاعدة العرفية بل يكفل احترامها و ضمان الالتزام بتطبيقها بقوة المؤيد المادي للدولة , فيعني ذلك أنه إرادته تنصرف ضمنيا إلى إقرارها .
و قد ســــاد هذا الرأي ابتداء مـــن القرون الوسـطى , و اسـتمر بعد ذلك طوال القرن التاسـع عشـر .
- نقد هذا المذهب :
يؤخذ على هذا الرأي إنكاره لحقيقة ثابتة تاريخية تتمثل في أن العرف أسبق في وجوده من التشريع , و بالتالي لا يمكن إرجاع مصدر عريق للقانون إلى مصدر أقل منه عراقة .
فأصحاب هذا الرأي لا يحاولون في حقيقة الأمر تفسير أساس القوة الملزمة للعرف بقدر ما يستهدفون تجميع سلطات الدولة كلها في جهاز واحد أو في يد شخص واحد .
ثانياً – الضمير الجماعيأساس القوة الملزمة للعرف :
يلاحظ أن هذا الرأي يلتقي مع التصور العام الذي يقوم على أساسه منظور المذهب التاريخي لأساس القاعدة القانونية , إذ بموجب هذا الرأي ينشأ العرف و يتطور آلياً نتيجة ما يتفاعل في ضمير الجماعة عبر العصور من عوامل مختلفة تؤدي إلى اعتبار العرف الوسيلة الرئيسية و التلقائية في التعبير عن الضمير الجماعي , و بذلك يستند العرف في قوته الإلزامية إلى هذا الضمير .
- نقدهذا المذهب :
لا يكفي وحده لتفسير أساس قوة العرف الملزمة , استنادا لما يكتنف فكرة الضمير الجماعي من غموضو عدم تحديد , فهي فكرة غير واضحة المضمون و المعالم .
فضلا عن أن دور القانون لا يجوز أن يكون مجرد محاكاة للواقع الاجتماعي , بل لا بد من إبراز دور الإرادة الواعية التي تعمل على تطوير المجتمع من خلال ما تصدره من قواعد قانونية يمكن أن تأخذ بيد الجماعة لمزيد من التقدم و الازدهار متخطية الظروف التي تعيشها لتحقيق حياة أفضل .
ثالثاً : تطبيق المحاكم للعرف هوأساس القوة الملزمة فيه :
يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن تطبيق القضاء للعرف هو الذي يضفي عليه القوة الملزمة .
فالعرف ـ وفقا لهذا الرأي ـ لا ينشا بصورة عفوية تلقائية , إذ لا قيمة عملية أو قانونية له إلا إذا طبقته المحاكم على ما يثار أمامها من منازعات .
يلاحظ أن أنصار هذه المدرسة هم كثر و عديدون ليس فقط في نطاق النظام القانوني الانجليزي الذي يقوم أساس على نظام السوابق القضائية , بل يتجاوز ذلك ليجد من يؤيده في نطاق الفقه الفرنسي , بالرغم من خلو القانون الفرنسي من نظام السوابق القضائية .
و لعل من أبرز الفقهاء الفرنسيين الذين تبنوا هذا الرأي " لامبير " .
ــ نقد هذا المذهب :
يلاحظ في هذا الرأي أنه لا يستند إلى أساس منطق سليم و قوي , إذ يتضح أن هناك العديد من القواعد العرفية التي هي بمثابة قواعد قانونية ملزمة قبل تدخل القضاء , و نذكر في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر قواعد العرف المهني .
و كذلك فإن هناك العديد من القواعد العرفية التي لم تتح لها فرصة التطبيق أمام القضاء ، و مع ذلك لم ينقص هذا الأمر من قيمتها كقاعدة قانونية ملزمة .
و من جهة أخرى يلاحظ أن وظيفة القضاء هي تطبيق القانون , و يقتضي ذلك أن ينشأ القانون بمعزل عن القضاءو قبل تدخله , إذ ليس من المنطق السليم أن تكون القواعد التي يطبقها القضاء على منازعات الأفراد هي نفس القواعد التي يضعها القضاء نفسه .
فإذا رفع الأمر إلى القضاء و صدر الحكم استنادا على العرف فإن القضاء يحكم بموجب قاعدة قانونية عرفية موجودة أصلاً , و من ثم يكون دور القضاء في نطاق العرف دوراً معلناً و كاشفاً لا دوراً منشئاً .
و بالتالي عندما يقوم القاضي بتطبيق العرف فهو لا يخلقه ، إذ أن وظيفة القاضي الأصلية إنما تتمثل في تطبيق القانون أيا كان مصدره , و هو لا يطبق العرف إلا إذا استكمل أركانه و شروطه كقاعدة قانونية .
و يتوجب على القاضي العلم بالقانون و تطبيقه , سواء بذل في تحقيق ذلك مجهوداً كبيراً , كما هو الشأن بالنسبة للعرف , أو بذل مجهوداً ضئيلاً , كما هو الشأن بالنسبة للتشريع , فإن المجهود الذي يبذله في العلم بالقاعدة القانونية و تفسيرها و تطبيقها لا يجعل منه خالقاً لهذه القاعدة .
يتضح مما سبق أنه من غير المنطق القول بأن العرف يوجد لأن المحاكم تطبقه , بل المنطق القول بأن المحاكم تطبقه لأنه موجود أصلاًكقاعدة قانونية ملزمة .
إن ما ذكرناه سابقا من نظريات غير كافية بحد ذاتها لتفسير أساس القوة الملزمة للعرف ، إذ أنها في غالبيتها تنتهي إلى نتائج متطرفة لا يمكن قبولها .
ففي الواقع إن القوة الإلزامية للعرف لا ترجع إلى إرادة المشرع ، ولا إلى الضمير الجماعي أو أحكام القضاء :
فهي من ناحية تنبع من الضرورات الاجتماعية التي تفرض وجودها كمصدر من مصادر القانون , فطالما أن المشرع لا يستطيع الإحاطة بكل العلاقات و الوقائع التي تحتاج لتنظيم , سواء من حيث الزمان أو المكان , بات من الضروري البحث عن مصدر آخر لتلافي هذا النقص في التشـريع , الذي لا يمكن أن ننكر وجوده حتى في المجتمعات الأكثر تقدما و رقيا .
و بالتالي فإن العرف يستمد قوته من ذاته , أو بمعنى آخر إن القوة الملزمة للعرف ، إنما هي قوة ذاتية تكمن فيه تستند في وجودها إلى الضرورة الاجتماعية التي تحتم أن يكون العرف مصدراً أصليا من مصادر القانون يستقل عن التشريع ، و يستند إلى نفس الأسباب التي تفرض وجود القاعدة القانونية في التشريع .
و من ناحية أخرى فإن هناك مجموعة من الاعتبارات تسهم في تدعيم القوة الإلزامية الذاتية للعرف , سواء تعلق الأمر بقتضيات الأمن و الاستقرار في المعاملات بين الأفراد في المجتمع ، أو بما تفرضه طبيعة الإنسان من احترام للسنن التي جرى على اتباعها فترة طويلة من الزمن .
تنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدني على أنه :
" إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية , فإذا لم توجد فبمقتضى العرف ، وإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة " .
و طبقاً لهذه الفقرة لا خلاف في القانون المدني السوري على تقديم منزلة التشريع على العرف .
و بالتالي لا تثور مشكلة تحديد دور كل مصدر من مصادر القانون ، بالنسبة لغيره من المصادر الأخرى , طالما أن هذه الفقرة قد وضعت قواعد لتدرج مصادر القانون , و جاء العرف متخلفا عن التشريع .
و بذلك يغدو العرف وفقا للقانون السوري مصدرا لا يمكن اللجوء إليه إلا في حال نقص النصوص التشريعية و خلو الشريعة الإسلامية .
و يمكننا هنا أن نطرح مجموعة من التساؤلات لعل أهمها فيما إذا كان يجوز للعرف أن يخالف التشريع أو يلغيه؟
و للإجابة عن ذلك لا بد من التفريق بين حالتين اثنتين :
1- قدرة العرف على إلغاء التشريع .
2- قدرة العرف على مخالفة التشريع .
تنص المادة الثانية من القانون المدني على أنه :
" لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء ، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم , أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع "
يعني ذلك أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع مثله , سواء كان ذلك الإلغاء صريحاً أو ضمنياً , و يستتبع ذلك عدم إمكانية إلغاء النص التشريعي بمقتضى عرف لاحق .
و في هذا الصدد يطرح تساؤل آخر في بيان ما إذا كان يجوز اعتبار عدم تطبيق نص تشريعي معين من قبيل الإلغاء ؟؟؟
في الواقع لا يجوز إلغاء التشريع بعدم التطبيق و الاستعمال , انطلاقا من فكرة أساسية تتلخص في أن عدم الاستعمال مدة طويلة من الزمن يولد عرفاً سلبياً , و المادة الثانية من القانون المدني تنص صراحة على أنه : " لا يجوز إلغاء التشريع إلا بتشريع لاحق " , و بالتالي لا يصبح النص التشريعي ملغى لعدم استعماله .
نرى أنه من الضروري بداية أن نحدد المقصود بمخالفة العرف للتشريع , فالثابت أنه يقصد بالمخالفة هنا أن يكون التشريع هو المصدر الأول للقانون , حيث توجد قاعدة تشريعية لحل القضية موضوع النزاع , و يجب أن تكون قد توافرت شروط انطباق حكم هذه القاعدة ، و في نفس الوقت يوجد حل في العرف ، و لكنه يخالف الحل الوارد في التشريع .
لكن قبل الخوض في تفاصيل الإشكالية السابقة ، لا بد من أن نتساءل عن تفسير العرف المخالف لمضمون النص التشريعي .
كالمادة /622/ من القانون المدني السوري التي تنص على أنه " يستحق دفع الأجرة عند تسلم العمل ، إلا إذا قضى العرف أو الاتفاق بغير ذلك " :
و يذهب الفقهاء في ذلك إلى أنه لا يوجد بهذا الشأن مخالفة أو تعارض بين النص التشريعي و العرف بمجرد أن المشرع قد قام بتعديل في ترتيب مصادر القانون , بمعنى أن القاضي إذا أراد أن يبحث عن حل النزاع فعليه أن يلجأ أولا للعرف فإذا لم يجد فيطبق التشريع .
و المشرع يملك هذا الحق , و هذا يعتبر تعديلا لنص المادة الأولى من القانون المدني , حيث تصبح الأسبقية للعرف بصدد هذه الحالة .
نعود للإجابة على التساؤل الأساسي و المتمثل في مدة قدرة العرف على مخالفة النص التشريعي :
و المخالفة هنا تأخذ صورة من صورتين :
فهي إما تكون مخالفة لنص تشريعي مكمل أو مفسر .
أو أن تكون مخالفة لنص تشريعي أمر .
أ- مخالفة العرف لنص تشريعي مكمل أو مفسر :
في الواقع لا داعي في هذا الصدد للتفرقة بين العرف المدني و العرف التجاري , إذ في الحالتين يجوز للعرف مخالفة النصوص التشريعية المكملة أو المفسرة , فكما يجوز الخروج عليها بمقتضى الاتفاق بين المتعاقدين ، فإنه يجوز الخروج عليها أيضا بمقتضى العرف .
و نص المادة الرابعة من القانون التجاري السوري واضح بهذا الصدد و مانع لأي جدل ، فقد نصت هذه المادة على أنه :
" على القاضي عند تحديد آثار العمل التجاري ، أن يطبق العرف المتوطد , إلا إذا ظهر أن المتعاقدين قصدوا مخالفة أحكام العرف ، أو كان العرف متعارضاً مع النصوص التشريعية الإلزامية " .
يتضح من هذا النص و بمفهوم المخالفة أن العرف إذا لم يكن متعارضا مع النصوص الآمرة و إنما كان فقط متعارضا مع النصوص التشريعية التكميلية فإن من الواجب تطبيقه .
ب ـ مخالفة العرف لنص تشريعي آمر :
لا يجوز أن يخالف العرف النص التشريعي الآمر , لأن في ذلك مخالفة صريحة لقواعد تدرج مصادر القانون ، سواء تلك المحددة في نص المادة الأولى من القانون المدني , أو نص المادة الرابعة من القانون التجاري .
و لكن يمكن للعرف التجاري أن يخالف نصاً آمراً في القانون المدني ، و لا يعني ذلك تغليب العرف على التشريع , بل هو من قبيل إعمال مبدأ أن الخاص يقيد العام , فإذا كان العرف التجاري يطبق أولاً قبل الرجوع إلى نصوص القانون المدني , فمرد ذلك أن قواعد هذا الأخير هي قواعد عامة ، فيما يتعلق بتنظيم العلاقات التجارية , أما قواعد القانون التجاري فهي قواعد خاصة .
و بناء على ذلك إذا وجد حكم في القانون التجاري , فإنه يطبق أولا دون أن تكون هناك ضرورة للرجوع لنصوص القانون المدني , يستوي في ذلك أن تكون القاعدة القانونية التجارية مصدرها تشريعي أو العرف , لأننا في الحالتين نكون أمام نص خاص يقيد النص العام الوارد في القانون المدني .
اكتب تعليق