تنص المادة 1124 ق.م على ما يلي :
« 1 ـ ما يسـتحق لبائع المنقول من الثمن و ملحقاته ، يكون له امتياز على الشيء المبيع . و يبقى الامتياز قائماً ما دام المبيع محتفظاً بذاتيته . و هذا دون إخلال بالحقوق التي كسبها الغير بحسن نية . مع مراعاة الأحكام الخاصة بالمواد التجارية .
2 ـو يكون هذا الامتياز تالياً في الرتبة لما تقدم ذكره من حقوق الامتياز الواقعة على منقول ، إلا أنه يسري في حق المؤجر و صاحب الفندق إذا ثبت أنهما كانا يعلمان به وقت وضع المبيع في العين المؤجرة أو الفندق » .
ـ مبنى هذا الامتياز :
مبنى هذا الامتياز أن البائع هو الذي أوجد الشيء في ذمة المشتري ، و من ثم كان عدلاً أن يستوفي منه حقه قبل غيره من الدائنين ، و إلا أثرى هؤلاء الدائنون على حسابه .
إذاً : مبنى هذا الامتياز هو العدالة .
ـ الغرض من هذا الامتياز : ( أي الهدف منه ) :
الغرض من تقرير امتياز بائع المنقول هو تيسير إبرام عقد البيع ، إذ هو يشجع البائع على الثقة بالمشتري ، و يتيح لهذا الأخير الحصول على حاجته مقابل دفع مؤجل التنفيذ .
ـ ملاحظة : عزز المشرع مركز البائع بمؤيدات أخرى تمكنه من استيفاء الثمن و استرداد الشيء المبيع في حال عدم دفع الثمن ، و هذه المؤيدات هي :
أ ـالحق في الحبس إذا كان الثمن مستحق الأداء .
ب ـ حق طلب فسخ العقد في حال عدم الوفاء بالثمن عند استحقاقه .
يشترط في ثبوت امتياز البائع شريطتان ، هما :
1 ـأن يكون هناك عقد بيع صحيح ناقل للملكية .
2 ـأن يكون المبيع منقولاً .
سواء أكان هذا العقد معجل الثمن أم مؤجله .
و لا عبرة لما يطلق على العقد من تسمية ، ما دام في حقيقته بيعاً ، و على هذا يثبت الامتياز في حوالة الحق ، لأنها في حقيقتها بيع للحق الذي للدائن في ذمة المدين . و يقرر الامتياز في هذه الحالة للمحيل الذي حول حقه إلى شخص آخر مقابل مبلغ من النقود .
و يعد الوفاء بمقابل ، في حكم البيع ، إذا أعطى المدين مقابل دينه مالاً منقولاً للدائن تفوق قيمته الدين ، و أصبح الدائن مديناً بالفرق ، فهذا الفرق يوثق بامتياز البائع ، لمصلحة صاحب الشيء المعطى على سبيل الوفاء بمقابل .
إذاً : يجب أن يكون الامتياز قائماً بمناسبة عقد بيع ، و يستوي في ذلك أن يكون الثمن مستحقاً فور العقد ، أم جرى الاتفاق على أن يجري وفاءه بعد أجل (أضيف إلى أجل واقف).
و يعتبر العقد بمثابة بيع و لو أطلق عليه اسم آخر ، بشرط أن تتوافر فيه أركان البيع ، و على هذا يثبت الامتياز في حوالة الحق ، لأن حوالة الحق ما هي إلا بيع له .
يجب أن يكون المبيع منقولاً ، مادياً كان كالسيارة و الماشية ، أم معنوياً كالمحل التجاري و الدين .
أما إذا كان المبيع عقاراً ، فلا يثبت الامتياز المبحوث فيه ، و إنما يثبت للبائع في هذه الحال امتياز بائع العقار ( الذي سندرسه لاحقاً ) .
إذاً : امتياز بائع المنقول يرد على المنقول المبيع الذي لم يدفع ثمنه كله أو بعضه , سواء أكان المنقول المبيع مادياً أم معنوياً .
و ينشأ بمجرد نقل ملكية المبيع إلى المشتري ، و بقاء الثمن أو جزء منه في ذمة المشتري .
و لا يثبت هذا الامتياز لبائع ملك الغير ، و لا لبائع الأشياء المثلية قبل نقل ملكيتها بفرزها ، و لا لبائع المنقول المفرز الذي احتفظ البائع بملكيته إلى حين استيفاء ثمنه ، لأنه يشترط وجود عقد بيع صحيح ناقل للملكية .
يضمن هذا الامتياز للبائع الثمن و ملحقاته ، كفوائده الاتفاقية و القانونية و مصروفات المطالبة به .
أما التعويضات التي تترتب في ذمة المشتري نتيجة إخلاله بالتزاماته , فإنها لا تدخل في نطاق الحقوق المضمونة بالامتياز . ( و هذا بخلاف امتياز المؤجر الذي يضمن كل ما يستحق بموجب عقد الإيجار ) .
يقع امتياز بائع المنقول على المنقول المبيع ، مادياً كان أم معنوياً .
و إذا بيعت عدة منقولات في صفقة واحدة ، كانت كلها ، و كل واحد منها ، ضامنة الثمن دون تجزئة .
أما إذا تعددت المنقولات المبيعة ، و كان لكل منها ثمن معين ، كان كل منها ضامناً ثمنه فقط .
و إذا هلك المنقول أو تلف و استحق عنه تعويض أو مبلغ تأمين ، جاز للبائع أن يباشر امتيازه على هذا المقابل ، عملاً بالمادة 1114 التي تقول :
«يسري على الامتياز ما يسري على الرهن و التأمين العقاري من أحكام متعلقة بهلاك الشيء أو تلفه » .
على أن امتياز بائع المنقول يبقى ما دام هذا المنقول محتفظاً بذاتيته ، فإذا فقد ذاتيته ، بأن تغيرت حاله تغيراً مادياً أضاع معالمه الأصلية بكاملها ، انقضى الامتياز :
كالقمح يطحن فيصبح طحيناً ..
و كالطحين يخبز فيصبح خبزاً ..
و كالقطن إذا أصبح قماشاً ..
أما إذا تغيرت حال المنقول ، دون أن يفقد ذاتيته ، كالقماش يحاك ثياباً ، و الخشب يصنع أثاثاً ، أو صار المنقول عقاراً بالتخصيص ، فإن ذلك لا يحول دون بقاء الامتياز ، شريطة أن لا يضر بالحقوق التي كسبها الغير بحسن نية .
إذاً : إن امتياز بائع المنقول يبقى ما دام هذا المنقول محتفظاً بذاتيته ، فإذا فقد ذاتيته ، بأن تغيرت حاله تغيراً مادياً أضاع معالمه الأصلية بكاملها ، انقضى الامتياز .
أما إذا تغيرت حال المنقول ، دون أن يفقد ذاتيته ، فإن ذلك لا يحول دون بقاء الامتياز ، شريطة أن لا يضر بالحقوق التي كسبها الغير بحسن نية .
لاحظ القانون أن المنقولات هي بحكم طبيعتها قابلة للتداول بيسر و سهولة ، و قد يتعلق بها حقوق للغير بحيث لا يكون لهؤلاء أي علم بوجود امتياز البائع عليها .
و لهذا جاء نص الفقرة الأولى من المادة 1124 من القانون المدني متضمناً أن امتياز البائع يبقى قائماً عليها , بشرط عدم الإخلال بالحقوق التي كسبها الغير عليها بحسن نية .
فإذا انتقلت حيازة المنقول إلى شخص توافر لديه حسن النية و السبب الصحيح ، امتنع معه على البائع الاحتجاج بامتيازه في مواجهته ، تطبيقاً لحكم المادتين 1112 و 1124 من القانون المدني اللتين توجبان أن لا يحتج بحق الامتياز على من حاز المنقول بحسن نية .
و تبعاً لهذا ، إذا انتقل المبيع ليد مستأجر له أو مستعير له أو وديع ، بقي للبائع حق امتيازه ، لأن المستأجر و المستعير و الوديع لا يكسبون حيازة قانونية على المبيع ، و إنما حيازتهم هي حيازة عرضية ، وبذلك تبقى حيازة المبيع القانونية للمشتري .
و الحقوق التي يكسبها الغير على المنقول المبيع :
1. إما أن يكسبها عليه بصفة مستقلة ، أي باعتباره منقولاً قائماً بذاته .
2. و إما أن يكسبها عليه بصفة تبعية ، أي بحكم إدماجه في عقار ، أو تخصيصه لخدمة عقار .
و يتبدى حق الغير المكتسب بصفة مستقلة على المنقول المبيع في صور متعددة :
أ ـفهو قد يكون حقاً شخصياً متعلقاً بالمبيع ، كحق المستأجر و المستعير و الوديع .
ب ـو قد يكون حقاً عينياً أصلياً ، كحق المشتري.
ج ـو قد يكون حقاً عينياً تبعياً ، كحق المرتهن ، و حق صاحب الامتياز .
أ ) ـفإذا وجد المبيع عند مستأجر بقي للبائع حق تتبعه ، لأن المستأجر ليس بصاحب حق عيني يستطيع الاحتجاج به تجاه البائع . هذا كما أنه لا يعد حائزاً قانونياً حتى يستطيع التمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز ، بل هو مجرد حائز عرضي ، أما الحائز القانوني فهو المشتري .
ب ) ـ أما إذا باع المشتري المنقول المبيع إلى مشترٍ ثانٍ ، فعندئذٍ يجب التفرقة بين ما إذا كان تسلم المبيع قد تم أم لم يتم :
# فإذا لم يتسلم المشتري الثاني المبيع لا يكون له أن يتمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز ، و يسري في مواجهته امتياز البائع الأول .
# أما إذا تسلم المشتري الثاني المبيع ، فهنا يجب التمييز بين ما إذا كان حسن النية أم سيئ النية .
فإذا كان حسـن النية ، جاز له التمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز ، ليدفع بها حق البائع الأول في تتبع المبيع ، ما لم يكن المبيع قد وصل إليه إثر سرقته أو ضياعه ، وكان استعمال البائع الأول حقه في تتبع المبيع في
يد المشتري الثاني واقعاً خلال السنوات الثلاث التالية للسرقة أو الضياع .
أما إذا كان المشتري الثاني سيئ النية ، فلا يجوز له التمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز ، و يسري في مواجهته امتياز البائع الأول .
و في كلا الحالتين إذا كان المشتري الثاني لم يدفع الثمن إلى المشتري الأول بعد ، جاز للبائع أن يحجز هذا الثمن تحت يد المشـتري الثاني ، لانتقال امتيازه من المبيع إلى الثمن .
ج ) ـو إذا رهن المشتري المبيع ، فإن حيازة الدائن المرتهن تكون عندئذٍ ذات وجهين :
فهي فيما يتعلق بالملكية تكون حيازة عرضية ، و ذلك لأن الحيازة القانونية تبقى للمشتري .
أما فيما يتعلق بحق الرهن ، فتعد حيازة قانونية يستطيع الدائن المرتهن الاحتجاج بها إذا كان حسن النية ليدفع حق البائع في تتبع المنقول تحت يده .
على أن البائع يستطيع أن يوفي الدائن المرتهن دينه و فوائده ، حتى يخلِّص المبيع من الرهن ، و يستطيع بالتالي استعمال امتيازه عليه .
و إذا وضع المشتري المبيع في عين استأجرها ، فهنا أيضاً يجب أن نميز بين ما إذا كان المؤجر عند وضع المبيع في العين المؤجرة يعلم بامتياز البائع أم لا ( أي بين سوء النية و حسنها ) :
# فإذا كان المؤجر عند وضع المبيع في العين المؤجرة يعلم بامتياز البائع ، أي إذا كان المؤجر سيئ النية ، فلا يكون امتياز المؤجر نافذاً في حق البائع ، و يتقدم امتياز البائع على امتياز المؤجر .
# أما إذا كان المؤجر عند وضع المبيع في العين المؤجرة لا يعلم بامتياز البائع ، أي إذا كان حسن النية ، فيكون امتياز المؤجر نافذاً في حق البائع ، و يتقدم امتياز المؤجر علـى امتياز البائع ، لأنه أســـبق منه رتبة ، فامتياز المؤجر يحتل الرتبة السادسة ، أما امتياز البائع فيحتل الرتبة السابعة .
و يتبدى حق الغير المكتسب بصفة تبعية على المنقول المبيع في حالتي :
أ ـإدماج المنقول المبيع في عقار الغير .
ب ـ تخصيص المنقول المبيع لخدمة عقار الغير .
و في هاتين الحالتين يثور التساؤل أيضاً عما إذا كان حق التتبع يزول أم أنه يبقى ؟
أ ) ـفإذا اكتسب الغير حقاً على المنقول نتيجة إدماجه في عقاره ، و صيرورته من ثم عقاراً بطبيعته ، كالإسمنت عندما يستعمل في البناء ، و الشجرة إذا غرست في الأرض ، فإن الامتياز ينقضي ، لأن المنقول يعد في هذه الحالة قد فقد ذاتيته ، و لا مجال بعدها لمباشرة حق التتبع .
ب ) ـ بقي علينا أن نعرف فيما إذا كان البائع يستطيع أن يتتبع المنقول المبيع إذا ما خصص لخدمة عقار مثقل برهن تأميني للغير ؟أي :
إذا تزاحم بائع المنقول الذي خصص لخدمة العقار المرهون مع مرتهن العقار الذي امتد رهنه إلى ذاك المنقول : فهل يكون للبائع الاحتجاج بامتيازه في مواجهة المرتهن ، و بالتالي هل يتقدم
عليه ؟
إن امتياز البائع في هذه الحال يسري في مواجهة الدائن المرتهن للسببين التاليين :
1) يجب ألا يترتب على تخصيص المنقول لخدمة العقار ضرر ببائعه ما دام من الغير بالنسبة للراهن .
2) إن امتياز بائع المنقول لا يزول في منطوق المادة 1124 ق.م ما دام محتفظاً بذاتيته ، و غير خافٍ أن المنقول الذي يخصص لخدمةالعقار ، لا يفقد ذاتيته .
يأتي هذا الامتياز في الرتبة السابعة ، أي بعد امتياز المؤجر و امتياز صاحب الفندق ، بيد أنه يتقدم عليهما إذا ثبت أن المؤجر أو صاحب الفندق كانا يعلمان بامتياز البائع وقت وضع المبيع في العين المؤجرة أو الفندق .
و بهذا قضت الفقرة الثانية من المادة 1124 حين قالت :
« و يكون هذا الامتياز تالياً في الرتبة لما تقدم ذكره من حقوق الامتياز الواقعة على منقول ، إلا أنه يسري في حق المؤجر و صاحب الفندق إذا ثبت أنهما كانا يعلمان به وقت وضع المبيع في العين المؤجرة أو الفندق » .
ينقضي هذا الامتياز بالأسباب التي تنقضي بها حقوق الامتياز بصورة عامة ، كما أنه ينقضي بالأسباب الخاصة التالية :
1 ـ إذا فقد المبيع ذاتيته ، كالعنب عندما يصنع خلاً .
2 ـ إذا انتقل المبيع إلى حيازة شخص حسن النية .
3 ـ إذا أفلس المشتري التاجر : ذلك أن المادة 1124 /1نصت على وجوب مراعاة الأحكام الخاصة بالمواد التجارية ، و هذه الأحكام تقضي بأن :
« المشتري إذا كان قد تسلم البضائع قبل إفلاسه ، فلا يجوز للبائع أن يحتج بدعوى الفسـخ، و لا بدعوى الاسـترداد ، و لا بامتياز ما » .
و ظاهر أن امتياز البائع في هذه الصورة أضعف من بقية الامتيازات ، التي تبقى بالرغم من إفلاس المدين سارية في مواجهة كتلة الدائنين .
إذاً : أشارت الفقرة الأولى من المادة 1124 ق . م إلى ضرورة مراعاة الأحكام الخاصة بالمواد التجارية ، و بذلك لا يسري امتياز بائع المنقول في مواجهة كتلة الدائنين إذا أعلن إفلاس المشتري التاجر بعد استلامه البضاعة .
و بهذه الصورة يختلف امتياز بائع المنقول في هذا الحكم عن الامتيازات الأخرى ، التي تبقى رغم إفلاس المدين سارية في مواجهة كتلة الدائنين .
اكتب تعليق