تصنف القواعد القانونية بالاستناد إلى قوتها في الإلزام إلى :
1- قواعد آمرة .
2- قواعد مكملة أو مفسرة .
أولاً : القواعد الآمرة
هي كل قاعدة قانونية لا يستطيع الأفراد أن يتفقوا على مخالفة أحكامها , أي لا يجوز لهم تبني أحكاماً غير الأحكام التي تفرضها هذه القواعد في كل ما يقيمونه بينهم من عقود واتفاقات .
لذلك فهي قواعد مطلقة ينعدم إزاءها سلطان إرادة الأفراد , إذ تتحدد العلاقة بينهم على أساس الخضوع المطلق والكامل لأحكامها , باعتبارها تعالج مسائل تتصل بكيان المجتمع ومقوماته الأساسية , لذلك يقتضي النظام العام أن يكون تنظيم هذه المسائل على نحو معين دون غيره .
ومن أمثلة القواعد الآمرة في نطاق القانون الخاص:
• نص الفقرة\ د \ من المادة الأولى من قانون الإيجارات رقم6 لعام 2001 والتي تقضي بأنه :[ خلافاً لأي اتفاق لا يجوز تقاضي بدل الإيجار مسبقاً عن مدة تزيد عن ثلاثة أشهر].
• وكذلك القواعد التي تحدد سن الزواج وشروطه وآثاره , أو تلك التي تحدد سن الرشد , كنص الفقرة الثانية من المادة 46 ق.م.س ,والتي تنص على أن :
[ سن الرشد هي ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة] .
ومثالها في نطاق القانون العام : تلك القواعد التي تحرم القتل والسرقة , وما شابه ذلك .
ملاحظة : سبب تسمية هذه القواعد بالآمرة هو أنها تفرض أحكاماً معينة على الأشخاص , وهذه الأحكام التي تفرضها هي أحكام مطلقة لا يجوز لهؤلاء الأشخاص مخالفتها أبداً .
ثانياً : القواعد المكملة أو المفسرة :
وتشمل القواعد القانونية التي يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالف أحكامها .
وهي لا تسري على الأفراد إلا عندما لا يتفقوا على محالفة أحكامها .
ويعود ذلك لكونها لا تمس مصالح المجتمع العليا وكيانه ,بل تتناول مسائل تتعلق بالنشاط الخاص للأفراد , لذلك لا توجد هذه القواعد إلا في نطاق القانون الخاص .
ومثالها : الفقرة الأولى من المادة 424 ق.م.س والتي تنص على أنه : [ يكون الثمن مستحق الوفاء في المكان الذي سلم فيه المبيع , ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك ]...
فهذه القاعدة من القواعد المكملة , ويعنى ذلك أنه يجوز لكل من البائع والمشتري الاتفاق على مخالفة حكمها , فيصح الاتفاق بين البائع والمشتري على أن الثمن لا يدفع وقت تسليم المبيع , ولكنه يدفع في وقت آخر , وهنا يعمل باتفاقهما , أما إذا سكت البائع والمشتري عن تنظيم ميعاد دفع الثمن فينبغي أن يطبق حكم القاعدة القانونية المكملة , فيكون دفع الثمن وقت تسليم المبيع .
وعليه يمكن القول , أن قصد المشرع من وضع القواعد المكملة إنما يتمثل في وضع نموذج للتعاقد ينطبق إذا لم تتجه إرادة المتعاقدين إلى تنظيم يخالفه .
ويثور التساؤل عما إذا كان عنصر الإلزام يبقى متوفراً للقاعدة المكملة ؟ وعلى أي أساس يقوم ذلك طالما أن هذه القاعدة تعطي للأفراد الحرية في تطبيق أحكاماً أخرى يختارونها ؟ ... أو بمعنى آخر ألا يوجد تعارض بين القول بأن القواعد المكملة يستطيع الأفراد الخروج على أحكامها دون ترتيب الجزاء , وبين القول بأن هذه القواعد هي قواعد قانونية ملزمة؟
ذهب بعض الفقهاء - و لا سيما الفقيه " نيبوايه "- في التوفيق بين القوة الملزمة للقواعد المكملة وإمكان الاتفاق على ما يخالفها إلى القول بأن هذه القواعد تكون اختيارية ابتداء ولكنها تصبح ملزمة انتهاء ..... أو بعبارة أخرى تكون هذه القواعد غير ملزمة قبل اتفاق الطرفين , أي يكون الأشخاص إلى تاريخ إبرام العقد أحراراً في الاتفاق على ما يخالفها , وهنا تكون القاعدة المكملة اختيارية بالنسبة إليهم , ثم تصبح هذه القواعد قواعد ملزمة في حالة ما إذا تم الاتفاق, أي تم إبرام العقد دون أن يرد فيه ما يخالف أحكامها .
وفي الواقع أن هذا القول يجافي المنطق القانوني السليم , فالقاعدة لا تكون قانونية إذا لم يتوفر لها عنصر الإلزام , وبالتالي ليس من المنطق أن تكون القاعدة غير ملزمة قبل الاتفاق فلا تكون حينئذ قاعدة قانونية , ثم تصبح ملزمة بعد الاتفاق فتصبح قاعدة قانونية مع أنها في ذاتها لم يطرأ عليها أي تغيير .
والصحيح أن هذه القاعدة هي قاعدة قانونية يتوافر لها عنصر الإلزام من تاريخ وضعها , وهذا الأمر ينطبق على القاعدة الآمرة والقاعدة المكملة , وبالتالي فهي قاعدة ملزمة ابتداء وانتهاء .
وحقيقة الأمر أن أية قاعدة قانونية سواء أكانت آمرة أو مكملة لا تطبق إلا إذا توافرت الشروط والأوصاف التي يتطلبها القانون ... ويشترط لتطبيق حكم القاعدة المكلمة ألا يوجد اتفاق على خلاف الحكم الذي تقرره , فعدم وجود هذا الاتفاق هو شرط تطبيق تلك القاعدة , فإذا وجد هذا الاتفاق لا تطبق القاعدة المكملة لا لأنها غير ملزمة , بل لأن شرط سريانها لم يتوفر .
ملاحظة : سبب تسمية القواعد التكميلية أو المفسرة بهذه التسمية هو أن الأفراد أو الأشخاص قد لا يحددون في عقودهم أو اتفاقاتهم جميع الأمور والمسائل التفصيلية التي يمكن أن تنشأ عنها , ولا يبينون أحكامها , فتكون إرادتهم غير ظاهرة أو جلية بالنسبة لهذه الأمور , ولهذا تأتي القواعد التكميلية أو المفسرة لتكمل عمل هؤلاء الأفراد وتفسر ما خفي منها ..... فهي تكميلية لأنها تكمل إرادة الأفراد بالنسبة للأمور التي لم يتعرضوا لذكرها في عقودهم , ومفسرة لأنها تفسر هذه الإرادة حين لا يبينها الأفراد أنفسهم .
اكتب تعليق